كان مسؤولو القضاء فيما مضى يرون أننا في المملكة نمثل محور الكون، وأننا متفوقون في كل جزئية من جزيئات القضاء حتى في الآليات والإجراءات والتقنيات والتحديثات، تلك النظرة أدت إلى ضعف واضح في الأداء وتراجع كبير في معدلات الإنجاز، بل وتشاؤم البعض منا من استخراج حقه في المحاكم، وكم من القضايا لبثت في ردهات القضاء سنين عدداً دون وجه حق واضح إلا الأدوات العتيقة والصبر المطول وغياب أدوات قياس الأداء التي يفترض أن تكون حوافز على العطاء كما روادع للتقصير. أما اليوم، فتختلف النظرة تماماً، إذ يدرك القائمون على القضاء أن فرص الاستفادة من الغير وافرة وكبيرة بل ولا محدودة، فالعقل البشري يبدع جديداً كل يوم على مستوى الآليات والوسائل والتحديثات والتغييرات. ومن الأدلة الناصعة على هذه النظرة الجديدة والرؤية المنفتحة الخطوات الحديثة التي تتجه نحو تطبيق خطة التطوير الشاملة لمرفق القضاء (عدل) خدمة لهذا القطاع الأهم خدمة للمواطن والمقيم وتعزيزاً لقيم العدل والشفافية وتحقيقاً لرغبة ولي الأمر في الإصلاح والتطوير. ومؤخراً عُقد (ملتقى القضاة الأول) الذي نظمه المجلس الأعلى للقضاء، واستضاف فيه عدة خبراء دوليين لاستعراض تجارب دولهم في مجال القضاء. ومن هذه الدول الولاياتالمتحدة وكندا والنمسا والدنمارك وإيطاليا وهولندا والبرتغال وأسبانيا واستراليا. وكان من مقترحات الخبير البريطاني (تأسيس هيكل إداري، أو مجلس يتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، ويشرف على التدريب القضائي على أن يرأسه رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويتضمن ممثلين عن السلطة القضائية وخبراء من التعليم وشخصيات من المجتمع). هذه الملتقيات والمنتديات التي يشارك فيها رجال القضاء ستسرّع بلا شك عملية التطوير المرتقبة، وستضعها في إطارها الصحيح الأقرب إلى الصواب لأنها خلاصة عقول تبدع، وأفكار تتطور، وتجارب تُقوّم، وخبرات تُمزج. تطوير القضاء يرسم نموذجاً لمشاريع ناجحة مماثلة. المتفائلون يراهنون على نجاح هذا المشروع المدعوم شخصياً من ولي الأمر في حين يراهن المتشائمون على نجاحات محدودة يعدونها شكلية لا تفي بالغرض ولا تحقق الهدف بحجة أن ثمة تجارب انتهت إلى غير المأمول، فكانت مضيعة للمال والوقت والجهد. [email protected]