قال الضَمِيرُ المُتَكَلِّم: قبل سنوات شاهدتُ مقطعًا تمثيليًّا يحكي عن اختراع علمي جديد، يزعم مكتشفه أنه سوف يبث شعاعًا عجيبًا، يجعل كل المرايا التي في (مدينةٍ ما) تَنْطِق بما حصل أمامها من أحداث، وأسرار جرت خلف الكواليس، وداخل الغرف والمكاتب المغلقة! انتشرت حكاية هذا الاختراع، وأصبح الرجال والنساء من كافّة الفئات والمستويات الإدارية يتندّرون عليه غير عابئين به؛ بين مصدّق له ومُكَذّب؛ والمهم أن كل واحد يؤكد لمَن حوله أَنْ لا شيء في ماضيه يخاف أن تنطق به تلك المرايا؛ مضت ساعات انتظار اليوم الموعود لبثّ الأشعة بين هَرجٍ ومَرجٍ، أخذٍ وردٍ، وكل إنسان يراقب مرآته، ويستعيد السيناريوهات التي حصلت بِحَضْرَتها!! جاءت ساعة الصفر، وأُعْلِن أن صباح الغد سوف يكون مَسْرَحًا لتجربة هذا الاختراع العلمي المذهل؛ وفي ظلمة الليل تعالت الأصوات، وترددت في كل أنحاء المدينة، لم يخلُ بيت، أو مكتب، أو مطعم منها؛ فعلها الرجال والنساء على حَدٍّ سواء، فعلها المسؤولون.. وفي الصباح الباكر كانت جميع الشوارع والأزقة مليئة بفُتَات المرايا؛ فما كانت تلك الأصوات المنكرة إلاّ صدى لتحطيم وسحق المرايا حتّى بدماء الأقدام؛ خوفًا من كشف الماضي، بما فيه من حكايات مخجلة وضحايا!! أعزائي: لو تحوّل هذا الخيال العلمي عندنا، وفي عصرنا اليوم إلى حقيقة -وليس ذلك ببعيد- فما الذي ستحكيه المرايا؟ وكم من الأسرار في البيوت ستفضحها؟ وكم من صفقات مشبوهة تمت في جنح الظلام ستعلنها على الملأ؟! وكم من مسؤول وموظف سارق لوطنه ستكشفه، وتحصي عليه الملايين، أو المليارات التي نهبها، أو اختلسها من قُوت المواطنين!! ما رأيكم في هذه اللحظات أن نصدق مع أنفسنا، وأن نجرّب جميعًا الوقوف أمام المرايا، ونخاطبها لتحكي ما حصل أمامها من فصول ماضينا؟ ثم نحكم هل سنفخر به أم نخجل؟! وهَل سنحتفظ بها أم سنسحقها؟! آهٍ.. كم نحن عَرايا أم المَرايا! وألقاكم بخير، والضمائر متكلّمة.