تمثّل «الموضوعية» أحد أهم العناصر الأساسيّة في مهنة الصحافة، ولن يكون في مقدور أي صحفي أن يحقق هذه السمة ما لم يكن متسلّحًا ب»الحياد» في تناوله لأي موضوع. فالكتابة من منطلق «التحيّز» سلبًا أو إيجابًا؛ يمكن أن تحقّق لصاحبها ما يسعى إليه ويرمي له؛ لكنها بالقدر نفسه لن تكون مثالاً يؤخذ بعين الاعتبار في مقام «المهنية الصحفية»، ولن تزيد القارئ غير معرفة مكشوفة ب»توجّهات» الصحفي و»ميوله الخاص». والمطلع على صحافتنا الفنّية والرياضية تحديدًا سيقف على نماذج كثيرة لمثل ما نشير إليه من «تحيّز» وفقدان للموضوعية في التناول. فهذان المجالان في صحافتنا يطفحان بالكثير من الخلاف والاختلاف، ويبرزان بصورة واضحة نوعًا من «التحزّب» و»التكتّل» إما مع أو ضد ما يُتناول فيهما، بطريقة تتجلى فيها لغة «المجاملة» التي ترفع وتعلي دون أسباب موضوعية، أو «التجنّي» الذي يُسقط ويخفض ناسفًا كلّ جميل، بما يُشعرنا في كثير من الأحوال أنّ من يقومون بهذا العمل قد دخلوا إلى عالم الصحافة «الفنّية والرياضيّة» تحديدًا وهم لا يملكون معرفة ودراية بأساسيات الصحافة وأبجدياتها، وإنما همّ في واقع الأمر يجسّدون على الواقع المثل القائل «مع الخيل يا شقراء»؛ ولا يمنعنا ذلك من الإشارة إلى القليل جدًّا مما يبرز في ثنايا هذا «الاصطراع» ويخلّص نفسه من هذا المنزلق إلى براح الموضوعيّة الصادقة. فمن خلال متابعتي للعديد من كُتّاب الصحافة الفنية لمست تفاوتًا كبيرًا فيما يكتبون؛ وهو تفاوت لا يقتصر على طرح الآراء؛ إنما يتعدّاه إلى نقل الحدث، الذي كان من المفترض أن لا يكون مسرحًا للتفاوت والاختلاف إلى درجة التباين الكبير الذي نقرأه؛ فنادرًا ما أجد من خلال هذا النقل مصداقية تتسرّب في ثنايا السطور. فبعض الكتابات ترفع أنصاف الفنانين والشعراء وغيرهم إلى مصاف الكبار الذين لا اختلاف حولهم، مستهلكة في سبيل ذلك جملاً رنّانة بمجانية تحسد عليها، فمغني مغمور عمره في الساحة أيام معدودات وأعماله تنقص في الحساب عن أصابع اليد الواحدة يصبح في سطورهم «الفنان الكبير»؛ وشاعر مختل الأوزان ومرتبك الأخيلة والمعاني يلبس من كلامهم قلادة «الشاعر المميّز»، وعلى ذلك قس. ولو أنهم اكتفوا بذلك لتغاضينا عنهم، ولكنهم يذهبون إلى أبعد من ذلك و»يتطاولون» على قمم معروفة العطاء، ولها وزنها في الساحة، ف»يطيحون» بمعاولهم شتمًا وتجريحًا بما يحسبونه «نقدًا»، وظنّوا أنهم بذلك يمثّلون الصحافة الفنّية السعوديّة، وهذه بلا شك كارثة حين يصبح مثل هؤلاء من يقيّمون الساحة، وما في أقلامهم سوى مداد المجاملة اللزج، والتجنّي المفضوح. والحال نفسه ينطبق على الساحة الرياضية، فهناك من يكتب ويدلي بدلوه في شأن الرياضية ولا علم له إن كانت الكرة مستديرة أم بيضاوية ناهيك أن يكون ملمًّا بقوانين أي لعبة في مجالات الرياضة المختلفة، لكنه لا يتورّع من الخوض، وأغلب الداخلين من هذا الباب من السهل على المتابع أن يلمح سيماء «التطبيل» على محيّا ما يكتبون. إنه ليحزنني حقًّا أن أشاهد صحفيًّا رياضيًّا أو فنّيًا يستضاف في الشاشات العربية فلا ترى منه إلا تخبّطًا أعمى، وعبارات فقيرة شكلاً وموضوعًا، ثمّ يُوصف من ثمّ بأنه «صحفي سعودي»! أعرف الكثيرين من الدّخلاء على الصحافة الفنية والرياضية ممن أصبح لهم شأن؛ ليس بسبب ثقافتهم ومهنيتهم، وإنما علا شأنهم من باب «المصالح» فقط، وهؤلاء لا يعنوني في شيء؛ ولكن ما يعنيني حقًّا أن يمثّل صحافتنا السعودية في الفن والرياضة تحديدًا من هو مؤهّل لذلك، لأنه في النهاية يشارك باسم الوطن لا باسمه الشخصي!