في ظل تحرك دبلوماسي عربي ملحوظ النشاط للسير بعملية السلام في المنطقة قُدمًا، وإعادة إطلاق مسار المفاوضات يبدو أن الموقفين الإسرائيلي والأمريكي غير مشجعين، ولا يوحيان بانطلاق قريب لمفاوضات طال توقفها. فتل أبيب لا تبدو جادة في السعي للسلام مع حكومة تمثل اليمين المتطرّف في أشد مواقفه تعنتًا، حيث ترفض حدود العام 67، أو الاعتراف بحق الفلسطينيين في القدس، أو اللاجئين، بل وتشكك في أحيان كثيرة بصلاحية الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أن يدير المفاوضات عن الجانب الفلسطيني، في حين تظهر واشنطن منقسمة على نفسها مع تصريحات متضاربة من البيت الأبيض، ووزارة الخارجية حول إمكانية الضغط على إسرائيل للعودة لطاولة المفاوضات، وتلويح المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل بأن الولاياتالمتحدة قد تقلّص الضمانات الممنوحة لإسرائيل في حال عدم استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وتأكيد عضوي مجلس الشيوخ الأمريكي جو ليبرمان، وجو ماكين أن الكونغرس الأمريكي لن يدعم أي مبادرة لتقليص الضمانات الأمريكية لإسرائيل، بل وسيتصدّى لها. وإن كان العرب أبدوا تمسكًا واضحًا بالمبادرة العربية التي حظيت بموافقة جماعية، بعد أن طرحها خادم الحرمين، فهي تقدم فرصة تاريخية لإنهاء الصراع، كما أنها تمثل الحد الذي لا يمكن تجاوزه في الموقف العربي من الحل النهائي للقضية الفلسطينية، ومشكلة الأراضي العربية المحتلة، إلاّ أنهم أوضحوا مرارًا وتكرارًا أن هذه المبادرة لن تبقى على الطاولة للأبد. ولعلّ الولاياتالمتحدة تتحمّل مسؤولية خاصة في انطلاق مفاوضات السلام، فهي الراعية لها، والوسيط الأكثر أهمية للتقريب بين الفرقاء، كما أن لها مصلحة في إنهاء الصراع الذي طال ستة عقود، دون ظهور بوادر قريبة لنهايته، لذا فعلى واشنطن تبني موقف واضح، يحدد رأي الأطر السياسية فيها من العملية السلمية بالشرق الأوسط، بدلاً من أن تظهر كوسيط لا يعرف ما هو موقفه تحديدًا، وهل سيعمل بشكل جاد على إعادة إطلاق العملية السلمية، أم سينهمك في مفاوضات داخلية تحدد موفقه من مفاوضات السلام.