الأخ الدكتور علي عشقي رجل أحترمه، وأحترم علمه وأقدر حماسه وإخلاصه وأعجب بمثابرته على بيان وجهة نظره وأحسب أنه ينطلق في ما يذهب اليه من رؤى وافكار من طوية نقية خالية من الأهواء أو الغايات، ولذلك فإنني وإن اختلفت معه في أمر أو آخر أو اتهمته في بعض الأحيان بالتهويل والمبالغة إلا أنني أعتبر مثل هذا الاختلاف مما لا يفسد للود قضية، ومن الحوار الباحث عن الحقيقة بعيداً عن المطامح أو المصالح. كما أنني أحترم في الدكتور عشقي شجاعته الأدبية حيث إنه لا يعرف الاختفاء خلف الأصابع ولا يمارس الغمز واللمز أو القاء القول على عواهنه واطلاق التهم جزافاً، فهو رجل صريح واضح مستقيم وهو أيضاً يملك الشجاعة العلمية للتراجع عن موقف إذا اتضح له الصواب في غيره وقد شهدت له ذلك شخصياً وأكبرته فيه فهذه سيرة العلماء المتمكنين التي تسمو عن غوغاء المتعالمين. كان هذه هو شعوري تجاه الدكتور عشقي منذ أن التقيت به لأول مرة في منزل الأستاذ محمد سعيد طيب قبل خمس سنوات تقريباً وهو شعوري تجاهه بعد أن قرأت مقاله المنشور في صحيفة الوطن في عددها الصادر بتاريخ 27 من ذي الحجة عام 1430 هجرية بعنوان «من تاريخ بحيرة المسك» وذلك بالرغم مما وجدته في المقال من الروح ذاتها بشقيها الحماسي الحريص على المصلحة العامة والآخر الذي أظن أن فيه قدراً من المبالغة والتهويل، فضلاً عما وجدته من نقاط خلاف في بعض الحقائق والوقائع التي ذكرها الدكتور عشقي ولعلي التمس له عذراً في الذاكرة التي قد لا تسعفني أو تسعفه بسبب مضي الزمن وتعاقب الأعوام ويسعدني أن أوضح للأخ الدكتور عشقي وللقراء الكرام بعض جوانب الاختلاف واللبس في ما ذهب إليه. أما غيره «الخبير» الذي يرمي بدائه وينسل في جنح الظلام، والذي يستمرئ العبث بالغمز واللمز ولا يملك شجاعة الرجال في المواجهة والمكاشفة والحوار فلعلي أضرب عنه صفحاً والتمس له عذراً في أحلامه التي لم تتحقق والتي ما زال يعيش ويحيا على آمالها وأدعو الله له بالهداية والرشد. يقول الدكتور عشقي إنه أول من حذر من خطورة بحيرة المسك وأنا أقر له بذلك، على الأقل بالنسبة لي، وقد تابعت تحذيره بأن وقفت على البحيرة في أول شهر من فترة عملي في الأمانة واتبعت ذلك بسلسلة من الاجراءات كان من بينها تدعيم السد الترابي وإقامة السد الاحترازي وتخفيض الكميات الواردة إلى البحيرة وإنشاء محطة تنقية ثلاثية في موقع البحيرة لاستنزاف مخزونها وتحويله إلى مياه نقية قابلة للاستخدام.. كل هذه الاجراءات هي حقائق على الأرض لا يمكن انكارها ولقد ثبتت فعاليتها في الأزمة الأخيرة فخلافاً لتحذيرات الدكتور عشقي لم ينهر السد الترابي ولم تنفجر البحيرة ولم تغرق جدة في مياهها بل إن سد وادي العسلاء قد حجب عن جده ملايين الأطنان من مياه السيول التي احتجزها خلفه بكفاءة وأمن.. يقول الدكتور عشقي إنني قلت أن لدى الأمانة خطة لتجفيف البحيرة خلال ست سنوات وهذا صحيح فلو عملت محطة التنقية بطاقتها الكاملة ولو استمر تدفق مياه الصرف في الانحسار عن البحيرة لأمكن فعلاً تجفيفها في أقل من ست سنوات.. أما لماذا لم يحدث ذلك فهو سؤال يوجه إلى القائمين على الأمر في السنوات الماضية وخاصة المسئولين في وزارة المياه التي كانت قد التزمت بانهاء مشروع الصرف الصحي في خلال خمس سنوات كان يفترض أن تنتهي في عام 2008م لنجد أنها قد امتدت الآن إلى عام 2011 أو ربما 2012م. يقول الدكتور عشقي إنني أنكرت عليه توقعه بارتفاع حجم مخزون البحيرة من 15 إلى 40 مليون متر مكعب وهذا صحيح لأن هذا المخزون قد تكون عبر أكثر من عشر سنوات من السكب فيها فلا يعقل أن يرتفع حجمه فجأة في خلال النطاق الزمني الذي حدده الدكتور عشقي وهو السنتان التاليتان لوقت الحوار ضعفين أو أكثر.. ثم يسألني كيف ارتفع المخزون إلى خمسين مليون وهو رقم لا أظن أن أمانة محافظة جده توافقه عليه، وأنا في كل الأحوال لست الوجهة الصحيحة لاستقبال سؤال كهذا فأنا لا أملك أن أجيب عما حدث أو يحدث في غير زمان مهمتي. ويقول الدكتور عشقي إنني قد أنكرت تفشي وباء التهاب الكبد الوبائي في جدة ولو عاد الدكتور عشقي إلى ذاكرته لأدرك أنني لم أنكر ذلك ولكنني لم أقبل أن يستشهد الدكتور عشقي بي في هذا الادعاء لسبب بسيط وهو أنني لم أمتلك الاحصائيات اللازمة لاثبات هذا القول أو انكاره وهو موضوع يدخل في نطاق اختصاص وزارة الصحة ولقد حملت نفسي أثناء فترة عملي في الأمانة على ألا أدخل في جدال مع جهات حكومية أخرى على صفحات الجرايد وبشكل عام ألا أدعي ما ليس لي به علم. وفي كل الأحوال فأنا أظن أن اختلافي مع الدكتور عشقي لم يكن على الحقائق أو الحلول وإنما كان اختلافاً حول الفرضيات والتنبؤات وأنا أدعو الله أن يلهمنا جميعاً الحكمة والصواب وأن يثيب الدكتور عشقي على اجتهاده وأن ينفع البلاد بعلمه وما زلت أنتظر اليوم الذي يفرحني فيه الدكتور عشقي أنا وجمهور القراء بمقال يثير الأمل والتفاؤل ولعل السنة الجديدة تحقق لنا ذلك فما أحوجنا إليه!! [email protected] فاكس : 6500668/02