الاستغفار ليس مجرد صيغة فارغة من المعنى يرددها المرء بغرض التقرب إلى الله. حسب هذا المفهوم فإن الاستغفار يصبح أشبه بالتعويذات السحرية التي ينطق بها المرء ويهرف دون أن تكون للمفردات المستخدمة من خلالها أية دلالات عقلية. في رأيي فإن الاستغفار آلية نفسية وعقلية مهمتها تذكير المرء بالكثير مما قد ينساه نتيجة انقياد المرء لطبعه القائم على النسيان. لذلك أمر القرآن الكريم رسول الله الخاتم محمد عليه وآله الصلاة والسلام بتذكير الناس (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ). كما أن الله سبحانه وتعالى اختار لكتابه الكريم المعروف بالقرآن الكريم العديد من التسميات من بينها (الذكر الحكيم). القرآن وسيلة لإعادة تربية الفرد لنفسه بما يتفق والمبادئ التي زرعها المنهج الرباني الذي ارتضاه الله لعباده الصالحين. ومن أهم ما جاء في هذا النهج هو آلية الاستغفار التي تهدف إلى تذكير الإنسان لنفسه بقابليته للوقوع في الخطأ. فالاستغفار جزء أو آلية من آليات فلسفة التوبة، والتوبة سلوك هدفه التطهر والتبرؤ من الأعمال السيئة لا الأعمال الحسنة. ومن هنا يتضح أن كل مسلم وكل إنسان قابل للوقوع في الخطأ بسبب الحماس الزائد أحيانًا أو بسبب العُجب والغرور أو بسبب القسوة على الخاطئين والمقصرين من بني البشر. لو تمكنا جميعًا من النفاذ إلى فلسفة الاستغفار فإننا سنخصص وقتنا وجهدنا لإصلاح أنفسنا بدلاً من مراقبة الآخرين بهدف تغذية شعورنا المريض بالتفوق ولدعم إحساسنا غير السوي بالعُجب. لقد آن الأوان لتحرير مفهوم الاستغفار من طابعه الشكلي القائم على ترديد صيغة لغوية بدون التأمل في طبيعة دلالاتها.