قال الضَمِير المُتَكَلِّم : اعذروني أعزائي لو أبحرت بكم اليوم بعيداً عن شواطئ النقد المعتادة ؛ اعذروني فدماء القلب تنزف لوعة قبل دموع العين ، لقد أصبحت وحيداً حزيناً وحَولي ملايين ! اعذروني وقدموا لي العَزاء ؛ فقد مات أعز الأصدقاء ؛ نعم مات رفيق عمري ، الذي يعرف كل تفاصيل أَمْرِي ؛ مات مَن كان صديقي ! من كان يَعْرِف قبل غيره أني لا أحمل في قلبي المسكين ذرة مِن حِقْدٍ على أحد ، ورب الكون مطلعٌ وهو خَيْرُ مَن يَشْهَدْ ، مات من كان يدرك أني أسكب الدموع وأطفئ من عمري الشموع ، عندما أرى طفلاً صغيراً يصارع البكاء ، أو كهلاً كبيراً يَلْتَحِف البؤس ويَنْتَعِل الرّمْضَاء! مات صَديقي وهو الذي يعرف أني بسيطٌ شَفّاف ، ما في قلبي يرسمه لساني دون أن أهتم بالعواقب أو أخاف ! هكذا خُلِقْت ونشأت ، وما بيدي طَبْعِي صَنَعْت ! عذراً أنا نسيت ؛ فأنا مَن مات ، وصديقي جَعَلني قُرباناً للوشاة ، فذبحني بسكينهم ودفنني في كَفَنِي دون أن يقرأ على روحي الصلاة ! نعم يا أعزاء أنا مَن مات ! كيف تموت الصداقة وتُنسى الذكريات ! أقسم لكم أنا مَن مات ! مَن كان بالأمس يَعْرِفك ، أصبح اليوم فجأة يجهلك ! رباه أليست الصداقة شجرة مثمرة بالوفاء للأصدقاء ، وحُسْن الظن بهم في السّرّاء والضراء ، وحمايتهم مِن أنفسهم قبل الأعداء ؟! هل انتحرت في زمن اليوم معاني الصداقة في النفوس ؟ فأصبحت مهمة الصديق أن يُحصِي على رفيقه الزلّات ، أو التي يعتقد أنها زلاّت ! وأن يبحث له عن الظنّ السيئ بين حروف الكلمات ! وهل أضحت وظيفة الصديق أن يَمُن بما قدمه مِن حسنات ! وهل تحول عتابه عند الخطأ إلى هجوم شرس بمدفع العِبَارَات ! صَدَق غازي القصيبي (لا شيء أفجع من موت الحب إلا موت الصداقة)، وأقول : موت الصداقة مَوتٌ بلا مَوْت ! وداعاً يا صديقي فأنا مَن مَات ، اِبْحَث عن روحي المُحِبّةِ لك بين صفحات الماضي وتفاصيل الذكريات ! ألقاكم بخير والضمائر متكلمة بما كان وفَات. [email protected]