ماحصل لجدة كان مختلفاً عن كل شئ مما سبقه ، فلم تشهد مدينة جدة غزارة في الأمطار ولاكمية للسيول مثلما جرى يوم الأربعاء الحزين ، والحمد لله على قضائه وأمره .. ..ولكن إن جفت قطرات الماء تلك ، فلن تجف قطرات من مدامع .ولن تجف منازف من جراح ..لقد أضحت مدينة جدة بعد هذه الكارثة والفاجعة ..مدينة الخوف ..والأخطار التي تجد إلى جدة أيسر المسالك والطرق للوصول ..ولا أدري عن ماذا أتحدث ، هل أتحدث عن حمى الضنك أم عن مشاكل البنية التحتية والشوارع المتكسرة ؟ أم عن مشاكل العمالة السائبة والمجهولة ومخاطرهم الأمنية ؟أم عن مشاكل الصرف الصحي أم عن الأحياء العشوائية ؟؟ كل تلك أسئلة وتساؤلات نعيشها يوما بعد يوم..في ظل إجابات ضائعة .. لكن ماحل على جدة مؤخرا كان الكارثة العظمى ..والمصيبة الجلل ..كان ضحاياها من البشر قبل ضحايا العيد .وإنالله وإنا إليه راجعون. لم يكن يعلم أولئك الأموات أن قطرات الماء التي كانت تنزل وتتجمع ، إنما هي قطرات المنايا بالنسبة لهم .يفرحون بها ..ويستبشرون ، وربما خرجوا من بيوتهم للتعبير عن تلك الفرحة ..ولكنها تجمعت رويدا رويدا ،وتكبر مع كبر فرحتهم ..وتتوسع باتساعها ..حتى التقى الماء على أمر قد قدر ..فاحتوى ذلك الماء كل تلك الفرحة ، وطمس معالم الحياة ..وزرع البكاء والفجيعة ..وخلف الدمار .. ..كان صباح يوم الخميس صباحا مختلفاً على أهل جدة ، وأضحت جدة وأحياؤها أشبه بجزر صغيرة في قاع محيط تتخللها المياه بين الجنبات والطرق ..وأشرقت شمس ذلك اليوم على دمار لم تشهد مثله أي مدينة سعودية ..والحمد لله أولا وأخيرا .. ..وبدأنا وكالعادة نسمع عن تداول المسؤوليات ..وكل جهة ترمي بمسؤوليتها على الجهة الأخرى جراء ما حدث ..حتى ضاع حق الضحية وتفرقت دماؤها.. ..فما أن يلقى اللوم على هيئة الإرصاد ، حتى يتم رميه على الأمانة..ليصل إلى الدفاع المدني..في طريقه إلى وزارة النقل ..ثم يعود من حيث بدأ ..هكذا دواليك .. وفي خضم أيام وأحداث ..وفواجع تتبعها فواجع ..وعدد الضحايا في تسلسل رقمي تصاعدي ..ليختم ذلك الرقم في نهاية المشهد على كبر الفاجعة وحجم المأساة .. ..لم تمض إلا أيام منذ أن خرج الناس من صلاة الإستسقاء ..وهم رافعين أكف الضراعة استعجالا في نزول (الغيث)..حتى جاء الغيث .. بفضل الله ورحمته وحصل ماحصل ..لترفع تلك الأيدي الباقية على قيد الحياة يد الضراعة مرة أخرى في طلب (الغوث) .. ومابين المشهدين ..والحالتين ..وفي خضم التنحي عن المسؤوليات .واستغلال ضعاف النفوس للأحداث لمصالحهم الشخصية ..ومطامعهم الدنيئة ..من بين ذلك كله ..تأبى القيادة الحكيمة إلا أن تقول كلمتها الفصل ..وقولها الجزل الذي ليس بالهزل ..لتضع لذلك الجدل حدا ..فجاءت لتكفكف الدموع ، وتضمد الجراح ..فجاء أمره الملكي بإعانات الأسر المتضررة بمبلغ مليون ريال..وتكوين لجنة عليا للتحقيق في كل ماحصل وجرى بكل شفافية ووضوح . وحتى لانستبق الأحداث ..فكلنا أمل في أن تصبح جدة ..بعد هذه الكارثة ....غير . م/ موسى الصعب - جدة