جاءت ميزانية المملكة العربية السعودية للعام المالي 2010م على درجة كبيرة من الأهمية فى ظل ظروف اقتصادية عالمية منذ اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية الدولية في نهاية أغسطس 2008 حتى الآن. فقد تأثر الاقتصاد السعودي والميزانية السعودية بانخفاض الأسعار العالمية للنفط الخام وكميات تصديره وحاجة المملكة إلى زيادة نفقات قطاعات التنمية البشرية والبنية الأساسية والخدمات الاجتماعية والحرص على استمرار مسيرة التنمية الشاملة والمتوازنة لكافة قطاعات النشاط الاقتصادي وأن تكون تنمية مستدامة تعتمد على تعزيز الاستثمار وتوفير فرص العمل ومراعاة التوازن بين البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي للإصلاح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في نفس الوقت ومن تحليل بنود الميزانية العامة للدولة يمكن إيضاح ما يلي : أولاً: قدرت الإيرادات للسنة المالية 1431/1432 ه (2010م) بمبلغ 470 مليار ريال سعودي (حوالى 125.3 مليار دولار) بينما قدرت المصروفات في نفس السنة بمبلغ 540 مليار ريال سعودي (حوالى 144 مليار دولار) وهو ما يعنى وجود عجز في الميزانية قدره 70 مليار ( حوالى 18.66 مليار دولار) من الناتج الاجمالى للمملكة والذي يتوقع أن يبلغ 1.384 تريليون ريال ( حوالى 369 مليار دولار امريكي). ويتضح ان هذا العجز في الميزانية يمثل فقط 12.9 في المائة من إجمالى الميزانية في العام 2010م، ويجدر الإشارة إلى ارتفاع رقم الميزانية عن ميزانية العام السابق 2009 بنسبة 14 في المائة لتلبية احتياجات البلاد من متطلبات الاستثمار الوطني ودعم الاقتصاد والنمو الاقتصادي، حيث تضمنت الميزانية برامج ومشاريع جديدة ومراحل إضافية لعدد من المشاريع التى سبق اعتمادها بتكلفة قدرها 260 مليار ريال ( حوالى 69.3 مليار دولار) مقابل 225 مليار ريال (حوالى 60 مليار دولار) في الميزانية السابقة أي بنسبة زيادة قدرها 15.6 في المائة. ثانياً : تضمنت الميزانية تخصيص ما يزيد على 137 مليار ريال (حوالى 36.5 مليار دولار) للإنفاق على التعليم العام والعالي وتدريب القوى العاملة وتطوير مشروعات التعليم وإنشاء 1200 مدرسة جديدة للبينين والبنات وللجامعات الجديدة في الدمام والخرج والمجمعة وشقراء واستكمال المدن الجامعية في بعض الجامعات ، القائمة فضلاً عن إنشاء كليات جديدة للتقنية ومعاهد مهنية جديدة , وبذلك حصل قطاع التعليم على 25.3 في المائة من إجمالي المصروفات العامة بالميزانية. ثالثاً : تم تخصيص 61 مليار ريال سعودي للإنفاق على قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية ورفع مستوى الخدمات الصحية ودعم البرامج الاجتماعية. رابعاً : خصصت الميزانية 22 مليار ريال سعودي لقطاع الخدمات البلدية وتتضمن مشاريع بلدية جديدة. خامساً : خصص فى الميزانية مبلغ 24 مليار ريال سعودي لقطاع النقل والاتصالات. سادساً: قطاع المياه والصناعة والزراعة والتجهيزات الأساسية الأخرى فقد خصص له فى الميزانية 46 مليار ريال سعودي تمثل 8.5 في المائة من اجمالى الميزانية وذلك للإنفاق على المشاريع الجديدة في مياه الشرب النقية وخدمات الصرف الصحي والبنية التحتية والمرافق في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين. ومما يظهر في هذه المخصصات في ميزانية 2010م حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتأكيده باستمرار على تطوير أجهزة القضاء وتنفيذ الخطة الوطنية للعلوم والتقنية ومواصلة صناديق وبنوك التنمية الحكومية المتخصصة تقديم القروض الحكومية في الميزانية بنحو 7.2 مليار ريال سعودي في عام 2010م وجاء تأكيد خادم الحرمين الشريفين كذلك على حرص المملكة على تحقيق النظرة المتوزانة بين القطاعات الاقتصادية والتنمية المتوازنة بين مختلف المناطق والاهتمام بالنظرة المستقبلية لتوازن المالية الحكومية واستقرارها بما يسهم في دفع عجلة التنمية الشاملة في المملكة. ويأتي تنبيه خادم الحرمين الشريفين على أهمية الرقابة والمتابعة والتنفيذ الدقيق لبرامج ومشاريع الميزانية وعدم التقصير أو التهاون واستشعار المسؤولية الدائمة والأمانة التى تحمّلها الوزراء ورؤساء الأجهزة الحكومية أمام الله ثم أمام خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة وان تقوم أجهزة الرقابة بدورها على أكمل وجه ورفع التقارير أولاً بأول إلىه يحفظه الله . ويُلحظ في الميزانية الجديدة للمملكة ارتفاع اعتمادات الصرف على الصحة والتنمية الاجتماعية بنسبة 17 في المائة عن ما تم تخصيصه في الميزانية السابقة عن عام 2009م. أما الخدمات البلدية فقد ارتفعت قيمة المبلغ المخصص لها بنسبة 15 في المائة عن ما تم تخصيصه في الميزانية السابقة , وارتفعت مخصصات قطاع النقل والاتصالات بنسبة 24 في المائة عن العام السابق. فيما يتعلق بالمخصصات الموجهة إلى قطاع المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية الأخرى فقد ارتفعت بنسبة 30 في المائة عن ما تم تخصيصه بميزانية العام المالي الحالي 2009م ويأتي ذلك حرصاً من المملكة على توفير كافة متطلبات الارتقاء بالتنمية البشرية والبنية التحتية من أجل تهيئة البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات المحلية خاصة في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين والاهتمام بالصناعات البتروكيماوية والصناعات التعدينية وتغيير الطرق وإنشاء المرافق التعليمية والسكنية والخدمات الأخرى.وهكذا نجد أن حكومة خادم الحرمين الشريفين لم تقف أمامها عوائق انخفاض في الإيرادات العامة في الميزانية بل قامت بزيادة المصروفات العامة وتحمل أعباء تحويل العجز في الميزانية مما يؤدى إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الاجمالى إلى 16 في المائة مقابل 13.3 في المائة في الميزانية السابقة عن عام 2009 وذلك عائد ايضا الى انخفاض الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية بنسبة 22,3 في المائة نتيجة انخفاض أسعار البترول وكميات تصديره إلى الخارج وذلك بعكس القطاعات غير البترولية التى من المتوقع أن تحقق نموا يتجاوز 5.5 في المائة وهو ما يؤكد حرص حكومة المملكة على دعم المواطنين واستمرار مسيرة التنمية والعطاء مهما كانت الصعوبات والتحديات العالمية. * عضو مجلس ادارة جمعية الاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع المصري وعضو المجالس القومية المتخصصة ورئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية الأسبق