خلُصنا إلى أن بعضنا فاسدٌ بطبعه.. وهذا ما ( نستنكر) وجوده بيننا , كما أننا أعربنا عن ( شجبنا ) لتلك الظروف المعيشية القاسية والقوانين العربية غير الناضجة التي تسببت في فساد البعض الآخر !! · رغم مرور قرابة شهرٍ على فاجعة جدة.. إلا أن أحداثها المرعبة، لا زالت تتصدر أحاديث المجالس السعودية.. حيث تفتح تداعياتها المتلاحقة نقاشات ( بيزنطية) لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد . قبل أيام حضرتُ جدلاً حاداًونقاشاً عربياً صاخباً حول إشكالية: « هل الإنسان العربي فاسدٌ بالوراثة ؟! ..أم أن الهياكل التنظيمية العربية الهشة، و ظروف الحياة المحيطة به..هي ما تدفعه دفعاً نحو الفساد ؟ .. وكلا الاحتمالين -كما ترى- يفترضان فساد الشخصية العربية !. · بالطبع .. كان لابد من ضفتين أو فسطاطين -على الأقل – كي ترسو عليهما احتمالات ونتائج النقاش.. وهذا ما كان .. فأهل الضفة الأولى كانوا يرون في العرب أمة فاسدة بطبعها ! .. لم يفلح التعليم ولا العولمة، ولا الانفتاح الثقافي ولا حتى تمازج الحضارات في تهذيب ثقافتهم الشرسة ، التي لا تؤمن بأهمية جودة العمل ، ولا بقيمة المُنجِز والمُنجَز ..قدر إيمانها بالطبقية ، و القوة المرتكزة على المال والنفوذ ! .. فالذهنية العربية المشحونة -بحسبهم- حد الامتلاء بنظرية (المغالبة) المستمدة من الإرث العربي الحربي -نسبةً إلى الحرب والغزو- لا تزال تحكم وتُسير كثيراً من تصرفات العربي وردود أفعاله في القرن الواحد والعشرين ! .. واستشهد القوم بمقولات لابن خلدون في هذا الشأن.. مضيفين: إن ما تعرضت له الشخصية العربية من قمعٍ وخوف وقهر على مدى قرون، ساهم أيضا في إيصالها إلى هذا الحد المفزع من الفساد! .. فالموظف الفاسد الذي لا يراعي في المال العام إلاً ولا ذمة لا يفعل ذلك بتوجيه من دينٍ أو رئيسٍ مباشر ؟ بل يفعله بتوجيه غرائزي فطري يؤمن بثقافة استغلال الفرص..التي يعززها إرثٌ عربي ضخم من الأدبيات المحرضة!. · على الضفة الأخرى كان أصحاب الاتجاه المعاكس يرون في ضعف القوانين و الأنظمة العربية، و عدم إنصافها للمتميزين سبباً رئيساً وجوهرياً للفساد العربي.. مستشهدين بأسماءٍ عربيةٍ مثل « حياة سندي « و « احمد زويل « لم تبرز عالمياً إلا عندما وجدت مناخاً جيداً، و أنظمة ولوائح عادلة و صارمة , تطبق علي الجميع دون استثناء أو تمييز .. و أضافوا : إن كثيراً من الغربيين عندما يأتون إلى البلاد العربية يصبحون أكثر فساداً من العرب أنفسهم.. فثغرات أنظمتنا وعدم شفافيتها تغري بعضهم بتجربة مذاق ونكهة الفساد العربي المفضي إلى الثراء السريع! .. ولو وجد الموظف العربي قوانين رادعة وصارمة, تتساوق مع نظام عادل في الأجور والترقي , و تفرق بين المجتهد والمتسلق .. لما اضطر إلي ارتكاب إثم الفساد . · ولما كنتُ من أشد محبي السيد (عمرو موسى) – كما هو حال شعبان عبد الرحيم - و خشيةً من تطور النقاش إلى عراكٍ بالأيدي كما هي عادة العرب .. فقد عمدت إلى فض الاشتباك، ورأب الصدع العربي.! على طريقة الجامعة الموقرة .. فاقترحت على الجميع صياغة ( بيانٍ ختامي) للجلسة، يتم فيه إقرار نقاط الاتفاق.. و التحفظ على نقاط الاختلاف! .. فخلصُنا إلى أن بعضنا فاسدٌ بطبعه.. وهذا ما ( نستنكر) وجوده بيننا , كما أننا أعربنا عن ( شجبنا ) لتلك الظروف المعيشية القاسية والقوانين العربية غير الناضجة التي تسببت في فساد البعض الآخر !! .. ولم ننس في النهاية أن نضمن البيان الختامي لجلستنا العربية (المغلقة) فقرة تشيد بمجموعة ثالثة منسية هي مجموعة ( الشرفاء العرب ) التي تتخذ من (لزمة) الممثل الراحل ( توفيق الدقن ) شعاراً لها .. ففي كل الأحوال ( أحلى من الشرف مفيش)! . [email protected]