بهذه الكلمات حدثني أحد كبار السن ممن عاصروا مواسم الأمطار الشديدة في الماضي القريب منذ أكثر من ثلاثين عاما وشاهدوا بأم أعينهم سيولاً جارفة في سد عروة والعاقول بالمدينة المنورة، فاستوقفتني الكلمات واستفسرت عن معناها فإذ بالواقع يشهد بأن الحكمة ينطق بها الكبار وأهل الدراية والخبرة ، فمهما حاول الإنسان أن يغير مجرى السيل فلن يستطيع لذلك سبيلاً، فطريقه محفور في الأرض ولا يمكن أن ينحرف أو يتغير ،هذا التأمل في حركة السيل ومجراه أوحى لي به متابعة أحداث فاجعة جدة ، فهل يعي كل مسؤول ولاه الله تعالى أمرا وكان موضع الثقة من ولاة الأمر في إدارة شؤون البلاد والعباد،هل يعي أولئك الذين قصروا وتهاونوا في أداء الأمانة وكان نتاجها هذه الفاجعة والكارثة في جدة، هل يهنأ لهم بال الآن وقد انكشف المستور وظهرت الحقائق أين سيذهبون بأموالهم وأولادهم! هل سينامون ملء أعينهم وهم مطمئنون ؟ أم أن الضمير سيستيقظ ويعترف المقصر بتقصيره لعل عقاب ومحاسبة الدنيا تخفف عنه يوم القيامة ومن الوقوف في مواجهة أرواح أزهقت وأطفال يُتموا وشُردوا بلا مأوى ولا أهل، ونفوس خائفة وجلة من هول المصاب ؟ هؤلاء المقصرون خانوا الأمانة وتهاونوا في أداء عملهم الموكل إليهم ما في ذلك شك، وما حسبوا حساب هذا اليوم الذي تظهر فيه فضيحة التقصير والإهمال شاخصة للعيان في الدنيا قبل الآخرة. ما حدث في فاجعة جدة لا تصفها كلمات ولا يعبر عنها قلم فالأمر جلل وخطير ينبئ عن رائحة فساد إداري وعفن أخلاقي وتهاون وتقصير شنيع من قبل أناس كانوا في موقع المسؤولية وقد فرطوا كثيرا في حق جدة وأهلها وزوارها ومحبي هذا الوطن. فكانت النتيجة أحداثاً وقصصاً اقل ما يقال عنها إنها مأساوية بمعنى الكلمة. وإن كان هناك من بارقة أمل تضيء هذه العتمة وتلوح في الأفق بوادر انفراج للأزمة فهي هذه الشفافية في عرض الأحداث وطرح المشكلة على طاولة التحقيقات واستقصاء الحقائق من قبل لجنة عليا يرأسها سمو أمير منطقة مكةالمكرمة هذا الرجل الذي يُعول عليه كثيرا لما يتميز به من صفات قيادية عليا وحزم وحكمة وبصيرة ، وكل ذلك يتم بتوجيه ورعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه. والأمر الآخر الذي لابد من الإشادة والاعتزاز به الدور الرائع الذي تقوم به كافة وسائل الإعلام السعودي لتغطية الحدث والوقوف على عرض الحقائق والمعلومات للمواطن ليعي ما يدور حوله وفي مجتمعه، وأخص بالإشادة قناة الإخبارية التي تعد تقارير مميزة وباحترافية إعلامية نفخر بها رغم كل الألم الذي يعتصر القلب وهو يشاهد ويسمع قصصا إنسانية مؤلمة ومنها قصة أصيلة تلك الطفلة التي فقدت كل ذويها وبقيت وحيدة في هذه الحياة ، وتلك المرأة الحامل في شهرها التاسع التي اضطر زوجها لإخراجها من فتحة المكيف في منزلهم بعد أن داهمهم السيل الجارف وقد أدى ذلك إلى تضرر الجنين الذي أصبح لا يتحرك في بطن أمه .. وغير هذه من القصص المؤلمة جدا لا يتسع المقام لذكرها. ولا نملك لهم سوى الدعاء بأن يلهمهم الله الصبر والسلوان والاحتساب وأن يربط على قلوبهم فيما أصابهم وأن يكتب لهم الأجر في مصابهم . [email protected]