مأساة جدة التي خلّفت وراءها غرقى تغمدهم الله برحمته، ومفقودين حتى اللحظة علاوة على العديد من الجرحى، وما صحب ذلك من خسائر مادية ومعنوية ليست المأساة الأولى، وليست البداية، بل هي حلقة من مسلسل قديم طويل، ففي كل مرة تهطل فيها أمطار على مدينة جده تتكرر المأساة، وتضع الناس أيديها على قلوبها خوفًا من أن تغرق جدة في شبر ماء، وها هي غرقت فعلاً. ولكن هذه حكمة الله وقضاؤه وقدره، وكلنا إيمان بأن هذه إرادته وتدبيره. عودًا على أسباب ذلك تبرز أدوار مهمة لأمانة مدينة جدة وهيئة الصرف الصحي، وهاتان الجهتان تحديدًا تملكان تفنيد الأسباب، وأيضًا معرفة ما يجب فعله، أو بالأصح ما كان يجب فعله حتى لا تحل هذه الكارثة، وياليت قومي يعلمون كم من أسرة أضحت بلا مأوى، وكم من ثكالى لا ينامون لياليهم، وكم من أيتام خلّفوا بعد هذه المأساة، ويا ليتهم يملكون الشجاعة للظهور والاعتراف بالتقصير. هذا ما حدث في جدة، وخلال الأعوام الماضية حدثت مآسٍ وكوارث أخرى نتيجة الأمطار، سواء في مدينة جدة أو في الرياض، أو في مناطق مختلفة في المملكة. وفي كل مرة يظهر التعاطف الرسمي والشعبي مع الكارثة، وبعد ذلك تُحفظ القضية دون علاج الأسباب، ودون معالجات حقيقية لمتاعب قادمة يمكن التنبؤ بها، بناء على الواقع ومعطياته. من هذا الدرس المدفوع الثمن الذي حدث في جدة، هل نتعلم الدرس؟ وتصحو أمانات وهيئات الصرف الصحي في جميع مدن ومحافظات المملكة، ويتم فعليا دراسة مجاري السيول المعروفة والمتوقعة، ووضع تصريف مياه يضمن مرورها بسلام. هل ستؤدي الجهات المعنية دورها الحقيقي في استكمال مشروعات الصرف الصحي ومشروعات تصريف السيول التي أكل عليها الدهر وشرب؟ هل سيتم محاسبة كل جهة مقصّرة في عملها؟ وكل مسؤول لم يؤدِّ عمله كما ينبغي، ولم يعر اهتمامًا لحياة الناس؟ هذا الدرس هل سيكون له دور في الوقاية من مأساة أخرى؟ أم أنه سيمر مثلما مر غيره هكذا دون تأثير على الأرض؟ أقول هل نتعلم الدرس؟ أم أننا سننتظر كارثة أخرى وأخرى وأخرى؟ أحمد خضران العُمري - خميس مشيط