الكارثة صنعها الفساد، والإهمال، والاستهتار، وهي ليست ذوات آدمية يمكننا محاسبتها، لكن يمكننا محاسبة المسئول الفاسد والمهمل والمستهتر، الذي ساهم في هذه الكارثة، التي حدثت يوم الأربعاء 8 ذو الحجة/ 1430ه الموافق 25/11/2009م - في مدينة جدة؟! صدمنا بما حدث بعد أن فرحنا بهطول الأمطار، والغيوم العزيزة على مدينتنا، والتي نستقبلها بالحفاوة اللائقة من معدوس و»حوت» ناشف و»سلطة حمر» وخلافه. إلا أن فرحتنا ما تمت، بل أصابنا الذهول، واجتاحنا الحزن على الأرواح التى فارقت الأجساد الغارقة، وعلى عذابات ومعاناة من وضعه حظه العاثر في مرمى سيل الأربعاء الحزين! مهما استعدنا تواريخ السيول التي اختارت يوم الأربعاء» الربوع» حسب اللهجة المكية، موعدا أثيرا للتدفق الغزير، وجرف الضحايا بقسوة، لايمكننا قياس تلك الأزمنة ولا تلك « الربوعات» با « الربوع « الأخير الذي خلف كل تلك الكارثة الإنسانية، التي راح ضحيتها أكثر من مئة غريق، ومئات المشردين الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى، حتى أمتعتهم لم تسلم من الغرق والتدمير، بالإضافة إلى مئات السيارات، والخسائر المادية التي لايمكن حصرها. كانت صدمة بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى، لم أكن أصدق الأخبار الأولية التي أسمعها من هنا وهناك، كنت أظنها إشاعات وتضخيمًا، لكني اكتشفت أن كل من نقل إلي خبر، لم يستوعب حجم الكارثة الحقيقية، ولم يكتشف عمق المأساة! لابد من فضح كل من له يد في كارثة الأربعاء الأسود، من سمح بتخطيط الأراضي في بطون الأودية، ومن تغاضى عن بناء الأنفاق بدون شبكة تصريف مياه الأمطار، ومن أعطى صكوكا لأراضي العشوائيات، ولمن أوصل الخدمات إلى المناطق الخطرة! لا بد أن نمد كل أصابعنا لنشير إلى كل المسئولين الحاليين والسابقين، حتى من فارق منهم الحياة، هناك ورثتهم كما ورثوا الأموال التي « اختلست» من المشاريع العملاقة التي رصدت لها المليارات، لو أنها نفذت بضمير حي، لما حدث هذا الترهل في الشوارع والكباري والمجاري التي ذهبت الأموال المرصودة لها دون حسيب « حسبنا الله « المسؤولون الذين طنشوا وارتشوا واختلسوا، الملايين أو المليارات التي رصدتها الدولة، لا بد أن نمد أصابعنا العشرة، لنشير إلى الأحياء والأموات منهم، وفضح الشركات والمقاولين، وأصحاب المخططات، ومن استخرج لهم صكوك الملكية، ومن أعطى تصاريح البناء! هي العادة يا سادة التي اضطرتنا لاستخدام أصبع واحد فقط – السبابة - نشير به إلى متهم واحد، ويكون حاضرا أمام أعيننا! تغاضينا عن متهمين كثر تضافرت جهود فسادهم عبر عقود من الزمن منذ بدأ العمل على تخطيط المدينة بدون بنى تحتية ، كنا سعداء بثوبها الجميل ولا نعلم أن جسدها مريض، ثم اكتشفنا الكارثة لكن بعد أن ذهب المسؤول أو المسؤولون، ذهبوا بالأموال بعد أن تضخمت خزائنهم، حتى بعد كشف المستور وفضح أخطائهم، صمتنا خجلا من فضحهم، أو لأننا لانملك آليات المحاسبة من خلال ممثلينا في مجلس الشورى، الذي يتمتع أعضاؤه الآن بالإجازة وربما هم خارج الوطن ، لأننا لا نعرف وسيلة الوصول إليهم لا الآن ولا قبل الآن! لأننا لا نملك مؤسسات مجتمع مدني قوية، تستطيع أن تقوم بدور المساءلة نيابة عنا! صمتنا كمدا ، ودارينا آلامنا بالصمت، ثم عدنا لعادتنا عندما حدثت الكارثة، أخذنا نشير إلى متهم واحد « الأمانة» أو « الأمين» وأقول كما قال د/ على الموسى في الوطن يوم السبت الماضي: « لايمكن تحميل مأساة جدة على أكتاف معالي الأمين لأنه بحكم التنصيب وارث لا فاعل» ربما لأننا نمر بظرف حساس أمني وديني وصحي حيث جنودنا يقاتلون على الجبهة، وكل آليات الدولة مسخرة لتيسير أداء مناسك الحج لقرابة ثلاثة ملايين حاج، بالإضافة لاستنفار كافة الجهود لصد أنفلونزا الخنازير، رفعنا ذات «الإصبع» نتهم به الحاضر أمامنا « الأمانة» أو «الأمين» مع أن كل الأمناء الذين مروا على أمانة مدينة جدة متهمون، لكننا لا نملك غير «السبابة» هو الإصبع المجير للإشارة إلى المتهم، فلابد أن يكون المتهم واحدا، وأن يكون حاضرا، كي يؤدي إصبع الاتهام مهمته على الوجه الأكمل!