اليوم نحن في ضيافة مطعم تأكل منه القلوب، هذا المكان لا يمكن أن يجده الإنسان إلاَّ في أوقات معدودة، وأماكن محدودة. هذه الأيام التي نعيشها (عشر ذي الحجة) من أكبر المطاعم التي توفر القوت للقلب، ذلك الزاد الذي يقوّي القلب، ويجعله قادرًا على تحمّل الأحمال الثقيلة، وليس حمل أثقل، ولا عمل أعظم من حمل القلب، وعمل القلب. من ضمن قائمة المطعومات زاد (التقوى)، وهي خير المطعومات، كما قال تعالى: «وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى»، والتقوى قبل أن تكون عملاً ظاهرًا هي عمل الباطن، فكيف يأكل قلبك من التقوى؟! اللحظات التي تخلو فيها بنفسك، فتدعوك نفسك إلى مخالفة أمر الله، فتتوقف خوفًا من الله هذا زاد يأكل منه القلب فيقوى. اللحظات التي تقف فيها للصلاة، فتستمع للآيات، فيخشع قلبك، وتدمع عينك، هذا زاد يأكل منه القلب فيقوى. اللحظات التي تدعو فيها ربك، وتطيل الثناء على الله حبًّا في الله، هذا زاد يأكل منه قلبك فيقوى. الأمكنة التي تحج إليها لترى مشاهد المشاعر، ومشاعر المشاهد فتتذكر الحشر فترغب في الآخرة، هذا زاد يأكل منه قلبك فيقوى. الأمكنة التي ترى فيها مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والحجر الأسود، فيثير في نفسك الشوق إلى لقاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولقاء النبي صلى الله عليه وسلم، هذا زاد يأكل منه قلبك فيقوى. إن الزاد الذي يقوى به القلب له لحظات محدودة، وأماكن محدودة، والغانم من اغتنم تلك اللحظات والأمكنة، وأمّا الأطعمة الضارة بالقلب، فلا أظن أحدًا قد سلم منها، فهي معروضة مفروشة مد البصر على صفحات الصحف، وشاشات القنوات، وأغلفة المجلات، وأحداث الروايات، والمواقع والمنتديات، وهذه الأطعمة الضارة بالقلب تضعفه، فلا يستطيع حمل أي شيء، فيمرض فيموت.