كعادته في كل عام، جاءت تصريحات رجل الأمن الأول الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا عقب جولته التفقدية على المشاعر امس الاول في منتهى الصراحة والشفافية والحزم لضمان امن اكثر من 3 ملايين حاج المشاعر المقدسة. الرسائل في مجملها جاءت للداخل والخارج وكانت على درجة كبيرة من الاهمية لاسيما في ظل التحديات التي يواجهها موسم الحج هذا العام مقارنة بالاعوام السابقة على صعيد المواجهة المستمرة مع المتسللين على الشريط الحدودي مع اليمن ومخاوف البعض من امكانية تسلل بعض العناصر من الفئة الضالة وانفلونزا الخنازير. وفي ظل المتغيرات الإقليمية المتعددة جاء التحدي الثالث من ناحية ايران هذه المرة ببعض الدعوات غير الصائبة لتسييس الحج واقامة مظاهرات البراءة وهي الدعوات التي رفضها العلماء والدعاة والسياسيون من كافة دول العالم الاسلامي. الأمير نايف المعروف بموضوعيته وشفافيته حرص في مؤتمره الصحفي على أن يضع الامور في نصابها الصحيح بدون اجتراء او تهويل وتلك قمة المسؤولية، فعلى سبيل المثال عند حديثه حول الموقف من ايران وصف سموه الوضع بدقة عندما قال: (سمعنا اشياء متناقضة ولكن في الاخير جاءت طيبة من بعض المسؤولين الايرانيين الذين وصلوا المملكة، وذلك ما حدث بالفعل، ففي البداية صدرت تصريحات من القيادة الايرانية في اعلى مستوياتها تدعو لخلط الدين بالسياسة في شعيرة الحج المباركة وعندما وصلت بعثة الحج الايرانية للمملكة صرح رئيسها ل(المدينة) تصريحات اقل ما توصف به بأنها متناقضة تماماً مع ما قاله الايرانيون بالداخل، اذ اكد التزام حجاج بلاده بضوابط الحج في المملكة وذهب ابعد من ذلك الى القول بان اقصى ما نتمناه هو رضا السلطات السعودية عنا وان الكتب التي يتداولها الحجاج الايرانيون امام بقيع الغرقد مصرحة من وزارة الاعلام السعودية، وانه لن يتم السماح بأي تظاهرات امام البقيع ولا شك إن صحة كل ذلك من عدمه ستتضح خلال موسم الحج وفي المقابل تبقى المملكة في جاهزية تامة لمواجهة أي امور قد تخلّ بأمن الحجاج وهنا يقول الامير نايف :(نحن لا نسمح بأي شيء خلاف ما شرع الله، ونرجو الا نجد انفسنا مواجهين لاي شيء من هذا؛ لانه لا يجوز إن يتم بأي حال من الاحوال أي شيء ليس ركنًا مفروضًا في اداء نسك الحج. كما أن المملكة ليست في حاجة لأخذ أي تعهدات على عدم تعكير صفو الحج من احد لانها ستواجه أي محاولة بحزم وقوة. ولم يكن مستغربًا والامور بعون الله تتجه للحسم الكامل مع المتسللين على الحدود أن يعيد سموه التأكيد على عدم استبعاده أن يكون هناك ارتباط بين المتسللين وعناصر القاعدة واحتمالية أن يتسلل البعض وهنا كان سموه حريصًا بقوله (إن من يريد أن يتسلل ليمسّ بأمن المملكة فهناك من سيواجهه ويمنعه من التعدّي على أي شبر من أراضي المملكة)، وتلك ولا شك من ابرز ملامح السياسة السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله والتي تقوم على عدم الاعتداء على الاخرين او التدخل في شؤونهم وضرورة إن تتم معاملة المملكة بالمثل ايضاً ولا شك أن هذه السياسة نالت احترام العالم. المملكة والإرهاب أما الرسالة الرابعة التي اعاد سموه التأكيد عليها فهي أن المملكة دولة مستهدفة بالارهاب، وان كانت وضعت حدًا لهذه التصرفات بإفشال اكثر من 180 محاولة ارهابية على مدى عدة سنوات. ولعله في ثنايا حديث سموه عن هذه النقطة يمكننا أن نسجل عدة ملاحظات: • وجود خلط فاضح بين الارهاب والجهاد، اذ لا يزال بعض الخوارج الذين يقتلون الابرياء يدّّعون الاسلام، وأن الإيمان حكر عليهم وحدهم. • اصرار الكثير من الدول خاصة الكبرى على عدم التجاوب مع الدعوة التي وجهتها المملكة في 2004م لتعريف الارهاب بوضوح وانشاء مركز دولي لمكافحة الارهاب من خلال تعزيز التعاون الامني والمعلومات لمواجهته. • الاصرار السعودي على مواجهة الارهابيين عبر الضربات الاستباقية التي حققت نجاحات كبيرة كان أبرزها كشف «ترسانة كاملة» من السلاح تحت الارض في الرياض مؤخرًا بما يكشف حجم التحدي الكبير لبعض الخلايا النائمة. توعية الحجاج اما الرسالة الخامسة التي وجهها سموه فكانت للدول الاسلامية وتركز في مضمونها الرئيسي على اهمية النهوض بأمر توعية حجاجهم قبل القدوم للمشاعر، اذ اثبتت تجارب السنوات الماضية أن اكثر حوادث الزحام التي وقعت كانت بسبب ضعف الوعي والاصرار على التزاحم وعدم الاخذ بالرخص التي تجيز الرمي قبل الزوال. وكان لافتًا في هذا السياق تأكيد سموه على حرص المملكة على سلامة الحجيج وضمان امنهم بعد عون الله وتوفيقه وكذلك اشادته بماليزيا التي تحرص على تدريب حجاجها على اداء المناسك قبل القدوم مع الزامهم بالتحرك في الاوقات المحددة لتفويجهم. لقد انفقت المملكة بسخاء كبير على مشاريع المشاعر المقدسة من اجل انجاح موسم الحج وتسهيل تحركات الحجيج في السنوات الخمس الاخيرة، ومن ذلك اكتمال مشروع جسر الجمرات العام الحالي ليستوعب أكثر من 300 الف حاج للرمي كل ساعة الأمر الذي جعل اكبر مشاكل الحج وهي (زحام الجمرات) الى زوال بعون الله وتوفيقه لخادم الحرمين الشريفين الذي خصص اكثر من 4.2 مليار ريال لهذا المشروع. يعد مشروع قطار المشاعر الجاري العمل فيه على قدم وساق حاليًّا من ابرز المشاريع الهادفة الى تسهيل حركة تنقل الحجيج حيث سينقل 72 الف حاج كل ساعة ويربط بين مكة والمشاعر المقدسة ومن المقرر الاستفادة من 35% منه العام المقبل على أن يكتمل خلال 3 سنوات بتكلفة تصل الى 6 مليارات ريال. لقد كان سمو الأمير نايف واضحًا كل الوضوح في توجيه رسائله الخمس من المشاعر بالتشديد على أمن الحجيج والحرص على سلامتهم والتصدي لأي محاولات تهدف لتعكير صفو الحج، وذلك هو التحدي الذي تشرف المملكة بالعمل من أجله سنويًّا.