من القوانين الفيزيائية الكونية "أنَّ لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه" وكذلك الحال في الحياة الاجتماعية التي نعيشها، فنجد قوانين مشابهة له تماماً، فلكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار سواء أكان فعل اهتمام، حب، احترام، أو كان العكس كفعل التجاهل، الإهمال، الابتعاد، فلا تتوقع أن تستمر في الأخذ ويستمر الطرف الآخر في العطاء بلا مقابل! بل ستنتهي شرارة اللهفة وتنطفئ فتلة المشاعر ويحدث رد الفعل المعاكس بشكل مفاجئ، وذلك ما حدث في الكثير من حالات الطلاق والخلع والانفصال التي شهدتها المحاكم في الفترات القريبة الماضية، فقوانين الحياة قاسية لا تحمي ضعف البقاء بقدر حمايتها لقوة التخلّي. لحظات الضعف قاهرة ولحظات القوة قاسية، وكلاهما يمتصان من الإنسان طاقة هائلة من التماسك والصمود، فقوة التخلي تنشأ من عمق المعاناة والصبر حتى يصل الأمر إلى الاندلاق خارج كأس القدرة البشرية المحدودة التحمّل التي أوجدها الله داخل الانسان كما قال تعالى في كتابه العظيم "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" فقرار التخلي هو الصائب في العلاقات الشائكة التي تعوّدت على الارتواء الكامل دون إرواء الآخر، العلاقات المُتخمة بالأنانية وحب الذات الطاغي لدى الشخص الذي يسعى إلى إشباع احتياجاته الذاتية والخارجية ضارباً باحتياجات الطرف الآخر عرض الحائط! فكلما تعمّقت العلاقة أكثر كان التخلي أقسى وأصعب على الإنسان ويبقى اختيار النفس بالدرجة الأولى هو الأصح؛ فلا أحد يملك عبودية الآخر وقد خُلِق جميع البشر أحراراً متحررين من السلاسل الوهمية التي كبّلهم بها مجتمعهم القاسي، وكما قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه "من لا يستطيع التخلي عن شيء لن يستطيع الإحساس بأي شيء" هنا تكمن قوة التخلّي للإحساس بلذة الحياة بدون منغصات البقاء. ستُحاكمك نفسك يوماً إن قللّت من شأنها واضعت كرامتها بالركض وراء عمى القلب واستغبائه، أو الاختباء خوفاً من سطوة المجتمع وسجونه البالية، ستقاضيك إن عرضتها للإهانة وقللت من كرامتها وإنسانيتها، اسمُ بروحك لتسموَ بك وامنحها حياة كريمة تستحقها لتعِش معها بعِزة واعتداد، اعدل ميزان حياتك بين كفتي (البقاء والتخلي) في جميع علاقاتك الاجتماعية، ضع الإيجابيات والسلبيات في الكفتين بحيادية تامة بعيداً عن كل المشاعر المسيطرة على القلب، فمن يرجح منهما على الآخر سيكون هو الاختيار الأصح لحياة نفسية صحية كاملة؛ فإما البقاء وإما التخلي. أحياناً تقذف الحياةُ الإنسانَ في بئر من العلاقات المُستنزفة والمُنمَّقة بمظاهر زائفة وحين يحاول التشبث بحبل الفكر وطوق العقل للنجاة منها تعيده إلى ذلك الجُبّ بائساً محاصراً بمشاعر الحُب الوهمية، وهنا لابد عليه من جمع كل قواه الداخلية ليتخلّى بكل قوة عن المجاملات الاجتماعية والنفاق الاجتماعي ويبتعد عن كل الأوحال التي سببت له أذىً نفسيًا واجتماعيًا باستخدام قوة التخلّي للقضاء على ضعف البقاء.. لذلك كن قوياً في قراراتك إن حان موعد التخلّي ولا تجعل المجتمع حُجَّة للبقاء الضعيف. واختم بمقولة جميلة للكاتب جبران خليل جبران "بدأت أستوعب وأفهم الآن، أنَّ سعادتي تكمن في التخلي عن المزيد، لا الحصول على المزيد".