خلال الأسبوع الماضي جنحت سفينة الحاويات العملاقة «إيفر جيفن» فتسببت في انسداد قناة السويس بالكامل. وأربك هذا الحادث العالم بأكمله بسبب تعطيل هذا المجرى البحري المهم. وتقدر الخسائر المادية الإجمالية للتجارة العالمية بما يعادل أربعمائة ألف ريال في الثانية الواحدة حسب تقديرات شركة «لويدز» اللندنية للتأمين. وقناة السويس هي من أهم القنوات المائية الاصطناعية في العالم ويبلغ طولها 192 كلم وتصل البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط.. وهي نقطة الوصل الأساسية بين أوربا والشرق الأقصى. وقد دارت حولها وبسببها بعض من أغرب قصص البكش وإليكم إحداها: كانت إحدى الخطوات الجريئة الني قامت بها الحكومة المصرية الجديدة في يوليو 1956 هي تأميم قناة السويس لتكون مُلك مصر الشقيقة بدلاً من أن تكون ضمن أملاك شركات أجنبية خاصة. والمنطق هنا كان واضحاً وصريحاً: قناة السويس مصرية، على أراضٍ مصرية، وحفرها حوالي مليون عامل مصري في الفترة 1859 إلى 1869. وكان رد الفعل للتأميم من المؤامرات الغريبة: اتفقت الدولتان العظميان بريطانياوفرنسا ومعهما الكيان الصهيوني على التدخل العسكري في عملية بكش تم تخطيطها في ضاحية «سفريه» بالقرب من باريس. وتضمنت تفاصيلها البدء بهجوم القوات الإسرائيلية براً من الشرق على مواقع مصرية في سيناء في 29 أكتوبر 1956 رداً على الإيحاء بأن هناك «تهديدات» مصرية للسلام. وفي المسرحية المتفق عليها تبع ذلك مراقبة وقلق من الجانبين البريطاني فرنسي...»يعني يعني» أن القوتين العظميين يهمهما الأمن والأمان في المنطقة. وعند اقتراب القوات المصرية والإسرائيلية من قناة السويس كان الدور في «المسرحية» أن تتدخل فرنساوبريطانيا جواً لحماية القناة وفض النزاع وتأكيد السلام. وبدأت العمليات الجوية البريطانية والفرنسية في 2 نوفمبر 1956 بضرب المنشآت المصرية من الجو، ثم إنزال قوات مظلية في بور سعيد شمال قناة السويس. وبالرغم من المواقف العسكرية الباسلة للجيش المصري، وبالرغم من التصدي الشعبي لقوات العدوان على كامل القناة، كان التصدي الشامل للعدوان من شبه المستحيلات. وعانت القناة من أول انسداد كامل من أكتوبر 1956 إلى مارس 1957. وفي 11 نوفمبر 1956، أعلن الرئيس الأمريكي إيزنهاور سخط بلاده على العدوان، وتدخلت الولاياتالمتحدة بثقلها العسكري، والسياسي، والاقتصادي. وجاءت تهديدات من الاتحاد السوفيتي، ثم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة الانسحاب، وبهذا انتهت أزمة العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة. ولكن نتائج العدوان الثلاثي لم تكن مقصورة على مصر والعالم العربي لأنها مثلت فترة نهاية الاستعمار «التقليدي» في العالم، وفي أفريقيا بشكل خاص وتحول محور القوى العظمى من بريطانيا، وفرنسا، إلى الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي. وأنهي الحديث هنا بطرفة حيال الأسماء العملياتية للعدوان: الإنجليز استخدموا اسم «ماسكاتير» بمعنى الفارس.. وهي مأخوذة من قصة الفرسان الثلاثة للكاتب الفرنسي ألكسندر دوماس وتمثل قمة الشجاعة والمغامرة.. وبصراحة الاسم الأكثر دقة هو «المغفلين الثلاثة».. وأما الاسم الذي أطلقته القوات الإسرائيلية على العملية فكان «كاديش» بمعنى «قُدُس» أو مقدس.. وبصراحة لا أدري ما علاقة القداسة ببكش المؤامرات. أمنية أتمنى أن نتذكر دور وطننا في أزمة السويس، فقد أعلنت التعبئة العامة للدفاع عن مصر وفي قيادتها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والمغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، ومجموعة من أعلى قيادات الوطن. وأرسلت قيادتنا أيضاً مجموعات كبيرة من القوات المختلفة الذين خدموا جنباً إلى جنب مع إخوانهم المصريين، وعلى الصعيد الاقتصادي فقد تم قطع البترول عن الدول المعادية، وعلى الصعيد السياسي تم دعم مصر الشقيقة بقوة في الأممالمتحدة والجهات ذات الشأن. وكل هذا بتوفيق الله عز وجل، وهو من وراء القصد.