في مثل هذا اليوم من عام 1956 أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر رفض المشاركة في مؤتمر لندن الذي دعت إليه الحكومة البريطانية لمناقشة أزمة قناة السويس بعد إعلان مصر تأميمها في السادس والعشرين من يوليو من العام نفسه. وفي اليوم التالي للتأميم أعلنت بريطانياوفرنسا رفضهما الاعتراف بتأميم القناة، وأعلنتا أنهما ستتخذان جميع التدابير اللازمة لسلامة رعاياهما وحماية مصالحهما، وتلا ذلك تجميد بريطانيا للأرصدة الإسترلينية لمصر، وأقدمت فرنساوالولاياتالمتحدة على إجراءات مشابهة. وفي أول أغسطس عقد لندن المؤتمر بمشاركة وزراء خارجية بريطانياوفرنساوالولاياتالمتحدة وأصدروا بياناً عارضوا فيه قرار التأميم، وقالوا بأن القناة كانت لها دائماً صفة دولية، وأنه يجب لهذا الغرض ضمان دوليتها بصفة مستديمة، واقترحوا عقد مؤتمر دولي للدول الموقعة على معاهدة الأستانة والدول الأخرى ولكن مصر رفضت المشاركة انطلاقا من رفض تدويل القضية باعتبار قناة السويس شركة مصرية تم تأميمها مع الحفاظ على كافة الحقوق المادية للمساهمين وهو ما يتفق مع القانون الدولي. وأبدى الاتحاد السوفيتي تأييداً كاملاً للموقف المصري خاصة بعد تعهد مصر باحترام حرية الملاحة في القناة، وبدفع تعويض لحملة الأسهم. في هذا الوقت قامت حكومتا بريطانياوفرنسا بعدد من الإجراءات العسكرية مثل دعوة الاحتياط، وتحركت قواتهما إلى شرقي البحر المتوسط. كانت الولاياتالمتحدة غير راضية عن المسلك البريطاني في التفكير في إحالة مسألة القناة إلى مجلس الأمن الدولي، وبدأت الخارجية الأمريكية ببحث إمكانية حل المشكلة من خلال تشكيل هيئة من المنتفعين بالقناة، في محاولة منها تجنب اللجوء إلى استخدام القوة أو الرضوخ لعبد الناصر، وصرح وزير الخارجية الأمريكي دالاس أن ترك عبد الناصر ليحقق النصر غير وارد. وعرضت مشكلة القناة على مجلس الأمن الدولي الذي اعتمد قرارا لتسوية المشكلة، واشترط له ستة بنود، منها ضمان حرية الملاحة، واحترام سيادة مصر، وضرورة أن تبتعد إدارة القناة عن سياسة أي دولة، وصرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية جولد مائير أنها لن تقبل بأي صياغة عامة للملاحة في القناة لا تذكر إسرائيل صراحة. وتطورت الأحداث سريعاً وزادت شراسة المعركة الدبلوماسية التي تكتل فيها الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة لمشاركة مصر في حقها المشروع في إدارة القناة، وفي هذه المرحلة تلاقت وافترقت كثير من خطط ونوايا الولاياتالمتحدةوفرنساوبريطانيا، وكانت المعركة في حقيقتها معركة إرادات سياسية يحاول كل طرف فيها إملاء إرادته على الطرف الآخر، إلا أن قدرة مصر على الصمود أعطى لها ثقلاً في العملية التفاوضية. وكانت الولاياتالمتحدة تعلم أن التحرك الدولي لبريطانياوفرنسا ليس إلا مجرد غطاء للتحرك العسكري لضرب مصر بالاتفاق مع إسرائيل، الذي بلغ ذروته بالعدوان الثلاثي على الحدود المصرية في 29 أكتوبر عام 1956الذي فشل بسبب الموقف الأمريكي المعارض له، والموقف السوفيتي المؤيد لمصر الذي هدد بضرب لندن وباريس بالصواريخ، وهو الموقف الذي وقفت حياله الولاياتالمتحدة صامتة، فلم تستطع بريطانياوفرنسا تنفيذ مخططهما لاستعادة السيطرة على القناة، فانسحبتا من المنطقة، وتم إعادة فتح القناة في مارس 1957 تحت إدارة مصرية، وكان من نتائج ذلك تقوية المركز السياسي للنظام المصري ولعبد الناصر، واستعادة إسرائيل حرية الملاحة في مضايق تيران، وحصلت بريطانياوفرنسا على تعويضات مالية لحملة أسهم القناة.