* سأله من باب التعجّب، يا صديقي: كيف تستطيعُ النوم جيّدًا؟! فأجاب: ومن قال لك أنّي أنامُ جيّدًا؟ يا عزيزي: أنتَ لا تعلم كيف صرتُ يُمكنني فحسْب أن أجلس هادئاً ساكناً، وسْط كل هذا الرُّكام من ضجيجِ العقل، وصخَب الأفكار، وتسارعِ الأحداث، وابتذال البشر. * إذن يا صديقي: كيف تتكلّم بهذا العمق؟ فابتسم له مُتألّما وقال: لعلّي لأنّني غرقتُ في الأعماق بما يكفي.. رأيتُ غيري يسبحُ مُطمئناً، ولو كنتُ سطحياً لاستطعتُ الطفو والعوْم والنّجاة، لكنّي اخترتُ الغوص وسبرَ الأغوار، فتعمّقت وغرقت. * سكتَ برهة ثم سأله، فكيف حالُك الآن؟!.. تردّد في الإجابة، وبعد أن رمَقه بنظرة ساخرة أجابه: «كيف حالك»!! سؤالٌ لا أظنّك تقصد معناه، ولا يعنيه الناس حرفياً، إنه مجرّد سؤالٌ عابرٌ غير ذي بال.. لم أستطعْ شرح حالي في الحقيقة لأحد.. ثم دعني أسألك، لنفترض أنّني لستُ على ما يُرام، أنّي أُعاني وأُكابد وأتآكلُ من داخلي، ماذا كنتَ ستفعل؟!.. يا صديقي: لم أعد أشتكي للناس، لا أحد حقيقةً يفهم أو يهتمّ. * قال له: حسناً، لعلّك تبحثُ عن الحقيقة، كيف ستعرف الحقيقة؟!.. هنا لم يتمالك نفسه من الضّحك، وعندما هدأ، أطرقَ برأسه ثم أجاب مُتهكّماً: الحقيقة؟! لن تعرف الحقيقة يا صديقي، ستظنّ أنك اقتربتَ من الحقيقة، لكنّي لا أظنّك ستعرف الحقيقة أبدًا.. أبدًا.. وإن كنتَ يا صديقي تسألُ عن اليقين، فلابد كي تصلَ إلى اليقين، أن تموتَ أوّلا، بالشكّ!. * سأله مُتحيّراً: لكنّك تبحثُ عن السعادة، أليس كذلك؟!.. أجابه وقد استعاد شيئاً من اهتمامه: طريقُ السعادة وعرٌ طويل، وقد تاه فيه نفرٌ كثير، لكنّي أظنّ أنّ السّعادة تكمُن في التحرّر.. التحرّر من الخوفِ من الموت، التحرّر من الفقد، التحرّر من التعلّق والاستحواذ.. التحرّر من فرْط تأنيب الضمير.. التحرّر من هوس التنافس.. التحرّر من رضا الناس.. عندها قد تصبحُ الحياةُ بسيطةً بالتلذّذ في اللحظة، دون كراهيةِ الموت ولا الحرص على الحياة.. ويبدو أنّنا يا عزيزي لن نفهم كيف نعيشُ الحياة، إلا حين نكونُ قد اقتربنا كثيراً من الموت.. آه، يا للسخرية!!. يا صديقي اسمع منّي، إن كنتَ تودّ العيش سعيداً، فلا تُكثر من التساؤلات، لا لماذا، ولا كيف.. ولا تحاول كشفَ الحقائق، فالحقائقُ يا عزيزي، صادمة، صادمة.. تأقلم وعِش مع القطيع.. فالمجدُ للبُلَهاء.. المجد للبُلَهاء.