صديقي .. ها أنا أعاود الكتابة لك من مقهى على قارعة جدة، فمنذ 3 أيام وأنا لا أستطيع الذهاب لشرق جدة حيث كان لي بيت وأسرة. المدينة تذبل يا صديقي، مات أصدقائي كما مات كل شيء جميل في جدة. كنا قبل غرقهم نتقاسم الأحلام والمقاعد، وكانت جدة بالنسبة لنا حلما حينا وفرحا حينا آخر، ذات حزن كتب صديقي الذي مات وهو يحاول إنقاذ أمه وأخته ووالده الذي أنهكه الحلم: جدة جميلة. فأكملتها: لكن شوارعها ضيقة لا تحتمل أحلامنا. سألني لماذا أكملها هكذا؟ فأجبته: لماذا شوارعها لا تحتمل أحلامنا؟ «جدة جميلة، لكن شوارعها ضيقة» .. لا تحتمل أحلامنا يا صديقي. كنا نتعلم هذه العبارة حين كنا نتلقى درس النحو «إن وأخواتها»، لم أعد أكترث ل«إن وأخواتها»، وكيف هي تدخل على الجملة، فتنصب الأول وتجعله اسمها، وترفع الثاني ويسمى خبرها؟ فالأخبار تأتي من الصحف والأصدقاء والهواتف التي كانت ذبذبات حزينة، وقصيرة ولا تستطيع حمل كل الأصوات الباكية. أخبرني جاري في المقهى: الجندي الذي كان عائدا من عمله منهكا ومرهقا، شاهد طفلة يجرفها السيل، قفز لينقذها فجرهما السيل، كان يضمها وهو يحاول مقاومة السيل، لكنه كان منهكا فجرهما السيل، قلت لنفسي: «الحب هو أن يضمك شخص ما ولو ليساعدك على الموت». الموت أن تنام وتحلم في جدة. جدة التي لم تعد تحب أبناءها كما كانت، أو كما حلمنا بها .. أصبحت أشبه ب«إن وأخواتها»، تنصب لنا الأحلام، فتصبح عنواننا، وترفع الواقع الجميل بعيدا عنا، لنغرق في الحزن. جميل أن نذهب للحلم، طالما جدة الجميلة لم تعد شوارعها تحتمل أحلامنا يا صديقي. نحلم قليلا ثم نعود للواقع، فيغرقنا، نلجأ للحلم، لجدة الجميلة، ثم نعود لنغرق في بيوتها وطرقاتها وأنفاقها. اللجوء الإيواء الخيام، من اخترع هذه الكلمات يا صديقي؟ *** هل تذكر حين هاتفتك بعد أن عدت من جدة إلى الرياض في 1997م؟ ذاك المساء كنت حزينا، وسألتك لماذا أنت حزين؟ أخبرتني أنك لم تتعود على فراق جدة، وأنك ما زلت تفتقد عم عايد وزوجته التي أصبحت أما ثانية لك، تفتقد محمود تراوري ومحمد الفايدي ومحمد صادق دياب وإبراهيم الشهراني، تفتقد لاعبي الأهلي وجماهيره وأحمد جميل، تفتقد كل أيامك وأصدقائك في جدة. صديقي .. هل ما زلت تفتقد وتحب جدة؟ أنا لم أعد أثق في جدة، فهي مثل «إن وأخواتها» تنصب الشراك لأحلامنا. التوقيع: صديقك الجداوي S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة