يكاد مسؤولو البيت الأبيض يقسمون باسم الإنجيل، بأن يكون الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تعمد تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعدم إدراجه حتى الآن في قائمة اتصالات هاتفية أجراها بايدن! قلت لصديقي الفلسطيني، دعك من المكالمة المتأخرة بين بايدن ونتنياهو، ولا تشغلن نفسك كثيراً بها، فإن لم تحدث اليوم ستحدث غداً، المهم أن تتواصل المكالمات بين القادة الفلسطينيين وبعضهم، وبينهم وبين شعبهم الذي يتوق للانعتاق من الأسر، والفرح بالأقصى والقدس، بدلاً من اللوعة على الفرص الضائعة! هذا هو الحد الأدنى من الإجراءات الفلسطينية التي ينبغي أن تتم بسرعة.. ليس بواسطة التليفون أو الإيميل وإنما بالمصارحة والمكاشفة والنفَس الطويل في مواجهة إجراءات إسرائيل! كانت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض تتحدث للصحافيين عن موعد المحادثة المحتمل، وكانت ملامح وجهها فضلاً عن انفعالاتها ومع تأخر وصول الترجمة الحرفية، وهو الأمر الذي جعلني أكاد أسمعها تقول بالعامية المصرية: «أبدا وحياة النعمة بايدن نفسه يتكلم مع نتنياهو، بس هي ظروف السكن الجديد»! ثم تتوقف لبرهة وتقول: «وحياة ولادي هيكلمه بكره ولا بعده وهافكركم»! ومع إلحاح الصحفيين راحت تقول: «سامحوني أنا لو هاعرف الموعد كنت هاقول»! وعندما سُئلت هل كان يقصد بتأخير الاتصال تجاهل نتنياهو، خلتُها تقول «فشر! أبداً مش تجاهل، ونتنياهو نفسه يعرف أن بايدن عايز يكلمه»! انتقلت من «السي إن إن»، لقناة عربية تتولى مذيعتها الترجمة، فلم أجد في الحقيقة فارقاً كبيراً بين ما تخيلته بل ما ترجمته بالعامية المصرية وما ورد على لسان السيدة ساكي التي قالت ما يلي: «إنه (بايدن) يتطلع إلى التحدث مع رئيس الوزراء نتنياهو»، ثم اضافت: «بوسعي أن أؤكد لكم أن ذلك سيحدث قريباً»، وبمهارة مصطنعة قالت: «ليس لدي موعد أو جدول زمني محدد»، وبجدة واضحة قالت: «ليس متعمداً، فرئيس الوزراء نتنياهو هو شخص يعرفه الرئيس بايدن منذ فترة»، منهية تصريحاتها بجملة «بايدن يتطلع لإجراء المحادثة»!. ورغم أنه ينظر في إسرائيل لبايدن على أنه صديق في واشنطن، فإن تأخر المكالمة، يوحي للبعض بثمة خلافات ستطرأ، إذا سعى بايدن لإعادة الحوار مع الفلسطينيين، وإذا عارض البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم فيها. الجديد في الأمر هذه المرة، أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين خاصة من خصوم نتنياهو سعداء لتأخر المكالمة، ولو لساعات أو أيام، وهؤلاء يدركون جيداً حجم العلاقات الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، ويدركون في المقابل أن بايدن ليس من هواة أو دعاة «تقديم الهدايا» لمساندة مرشح ضد آخر في المعركة الانتخابية. يغادر ترامب ويأتي بايدن، وينجح نتنياهو في الانتخابات المقبلة أو يسقط، المهم ألا تغيب قضية شعب أسير وأن تظل القدس متوهجة وساطعة في كل ضمير.