عذراً خالتي، وعذرٌ آخر أكبر من العذر الأول للروح التي غادرت عالمنا إلى الله، ولم تغادر، وعذرٌ للقارئ الذي أحببت أن يشاركني الحزن في هذا المقال المملوء بالوجع والفقد الذي أعيشه حد الموت، ويشهد الله أن فراق والدي الإنسان عبده أحمد عباس وزوج خالتي المرحوم بإذن الله هو أكبر حتى من الحزن نفسه وأثقل على قلبي من كل الآلام. وكم تمنيت أن أقبل رأسه قبل أن يتوسد اللحد وأرى عيونه تلك المضيئة ووجهه الذي قط ما كان إلا باسماً ويديه تلك التي كانت تحملني طفلاً إلى عالم كبير مفرح، لكنه البحر أبَى، والريح منعت، وظروف السفر قالت «لا»، وأصرَّت على أن أكون بعيداً عنه، عن فرسان، عن القيام بواجب العزاء، أرأيتم حجم الألم الذي يعيشه الفرسانيون !!، لأبقى هنا في مدينة جدة أكابد الحزن وحدي وكلي يتمزق ولأن للبحر حكايات في حياتي وهي ليست حكاياتي وحدي بل هي حكايات عامة ومعاناة يعيشها أهل فرسان كلهم يومياً وما يزالون!. عذراً يا سيدي الرجل العظيم والذي مهما تحدثت عنه «لا» أوفيه حقه وحديث الناس كلهم عنك يا سيدي يليق بك وأفعالك التي تركتها خلفك وهي إرث فخم وضخم وعالم كبير من الشهامة والرجولة والإنسانية، وكلهم يشهدون لله عنك أنك كنت من المحسنين وكلهم ما يزال يتذكر صوتك الفخم وأنت تنادي: «الله أكبر» في مسجد الجامع، «الله أكبر» التي بقيت معك على لسانك حتى في نومك وصحوك وغيابك وحضورك، «الله أكبر» التي كانت معك حتى قبل صعود روحك إلى بارئها، «الله أكبر» الختام لحياة كانت السلام والمحبة والوئام، ولا حول ولا قوة إلا بالله الذي خلق الموت والحياة، وحسبنا أننا فقدنا رجلاً تعجز حروف الرجولة عن الوفاء له وأفعاله التي كانت أكبر وأجمل وأنبل من طل وماء وصبح ومساء. (خاتمة الهمزة).. «ألم البتر وإن كانت يد شلاء يُضني»، وألم الوجع والجزع اليوم يفوق كل الآلام، والفرق كبير بين أن تعيش الحزن وبين أن تقرأه أو تسمع عنه، رحم الله روحاً منحتني الحب وللإنسانية معنى وحياة، و»إنا لله وإنا إليه راجعون»، وهي خاتمتي ودمتم.