مات صديقي علي، غافلتني فراشات الموت واختطفته مني بعد أن كلمني وطمأنني!، آه يا علي!، رُبَّ مسحة على وجه يتيم، أو قطعة قماش سلمتها ليتيمة وأنت حي، تستقبلك الآن في جنة الخلد!.. الأمهات اللائي سبقننا، اللائي كفكفتَ دموع أطفالهن، لعلهن يخرجن لاستقبالك بالزغاريد، والأنامل التي مسحت بها عليهم، علها الآن مضرجة بشهد العناقيد!. في المرة الأخيرة، لمحت على وجنتيه قطرتين تزحفان في ألم، وصوته كله شجن.. أكانتا علامتي الوداع، أم ثمالة الدموع، أم أنها كانت برودة الحياة والصقيع!، لو كنت قلت لي! لو كنت منحتني لحظة قصيرة الأمد، لكنت همست في أذنيك! دع البكاء لي، ولك الدعاء على طول المدى.. أي مدى.. قل لي يا علي.. أي مدى، وأنت مداي ومبتداي ومنتهاي ودنيتي كلها!. خمسون عاماً، من عمرنا وأنت تحكي وتروي لنا عن الجنة، خمسون عاماً وأنت تروي لنا ما شاهدته في حلمك الجميل عن العم وعن العمة!، فقل لي يا رفيق الدرب ما الذي تراه الآن في روضتك؟!، وهل استقبلك قبرك بحنين العاشقين للورد؟! احكِ لي الليلة وترفق بي إلى أن يحين الوعد!. لم تكن من قبل تتكلم، مهما بان الحزن على محياك ومهما كنت متخماً بل ومثخناً، تخدعني كل مرة بضحكتك بملء القلب وملء العين يا حبة القلب والعين.. قل لي.. بالله عليك قل! أتذكر يوم أضحكتني على حلمك المثير، وأنت في الجنة، حين مر عليك «سيدك محمد» وأخذك في جولة، زرتم فيها والدك؟! تجول الآن يا علي! خذهما معك مرة ثانية وثالثة، ومر بهم على من سبقوك من الأحبة!. كنت تلقن موتانا قبل إنزالهم بصوتك المتهدج وأنت تتلو وتدعو وتقرأ، وبحمد الله، لم تكن بحاجة أمس الى ملقن أو مقرئ! لم تكن بحاجة للمراثي ولا السرادق ولا ميكرفون ولا مذياع.. لم تكن ذاهباً لحفل خداع.. كنت ذاهباً للإله.. فغداً لمثلك تبدأ الحياة! آه يا علي! أتى الموت أيها البدر فأتمَّك، أتى الملاك فضمَّك.. كنت ومازلت وستظل كالقمر، الذي آثر أن يفارقنا عندما اكتمل! قد عشت تعطي وتضحي ولم تمل!، تمسح الحزن عن الجباه والمُقل.. حتى جاء اليوم الذي تستريح فيه وتستظل!. اطمئن! العزاء فيك ممتد، لأنه في حالتك ليس بالأضواء ولا بالعد.. الناس كلها عليك في كمد!. ويا عبد العليم! محكوم عليك أن تسمعها مني مثلما سمعتها من عفيفي مطر! آه يا عبد العليم على الضلع بل على القلب الذي انكسر!