في29 أكتوبر 2008م وضع الملك عبدالله -رحمه الله- حجر الأساس لأكبر جامعة في العالم للبنات كانت ستحمل اسمه؛ لكنه أمر بتغييره إلى»جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن» ولم يكن ذلك إلا لما تتمتع به عمّته -رحمها الله- من مكانة في قلبه وقلوب أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- فهي العمّة الحنونة والقريبة منهم جداً؛ ففي مقال للمؤرخة العزيزة عضو مجلس الشورى السابقة وأستاذة التاريخ د.دلال الحربي بمجلة القافلة أوردت ما قاله عنها سيدي الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- أنها خلال طفولتهم «كانت تشفع لنا عند الملك إذا أخطأ أحد إخوتي أو أفراد العائلة» وكما أحبّها أبناء المؤسس أحبها أحفاده واحترموا إرثها التاريخي؛ فكان أمر قائد الرؤية 2030م ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان بترميم قصرها «الشمسية» على نفقته الخاصة. إنه اهتمام باسم له تاريخه العريق، فقد حظيت شقيقة الملك المؤسس عبد العزيز بمكانة عالية وقريبة منه وصلت إلى اعتزازه باسمها في حماسة المعارك والمواقف بكلمته الشهيرة «وأنا أخو نورة»، مما يُشعرك أن الأميرة نورة بنت عبد الرحمن الفيصل آل سعود التي وُلدت عام 1875م والمتعلمة في عصر قلّ فيه تعليم النساء؛ لم تكن امرأة عادية؛ إنها علامة فارقة في التاريخ السعودي؛ إذ شهدت وهي ابنة السادسة عشرة سقوط الدولة السعودية الثانية بعد خروجها وعبدالعزيز مع والدهما الإمام عبد الرحمن من الرياض لينجو بأسرته بعد معركة (المليداء) سنة1891م، وبعد الاستقرار في الكويت تقاسمت مع شقيقها عبد العزيز الذي يصغرها بعام واحد وهما يكبران معاً مرارة الرحيل والغربة والحُلم كما تقاسمت معه اللعب في الطفولة بالرياض؛ لذلك لم تكن نورة مجرد أخت كُبرى للمؤسس بل المُلهمة المُشجعة لهمّته، ومما تذكره د.دلال الحربي التي أكرمتني بكتبها (نساء شهيرات من نجد) أنها «التي حثته على تكرار المحاولة لاستعادة الرياض بعد أن أخفق في المرة الأولى، «بل» عندما عزم على الخروج من الكويت بصحبه لاستعادة الرياض، بكت والدته بكاء حاراً وحاولت ثنيه، غير أن نورة شجعته» ونجح عبد العزيز في استعادة إرث الأجداد، وشهدت نورة بعينيها فرحة قيام الدولة السعودية الثالثة؛ وكان تأثيرها بعد استعادة الرياض وعودة الأسرة بارزاً؛ إذ كانت سبباً مهماً في الترابط القوي لأسرة آل سعود بعد زواجها من الأمير سعود بن عبد العزيز بن سعود والملقب بسعود الكبير، فبعد الخلاف مع شقيقها بات من أقرب المقربين إلى عبد العزيز، وحتى يتفرغ المؤسس لمشروع توحيد الأرض السعودية وبناء الدولة التي باتت اليوم أكبر دولة في منطقة الشرق الأوسط، تولت هي حلّ مشاكل القصر والعائلة وجنّبته همومها بحكمتها وبُعد نظرها ورجاحة عقلها، فكانت بمثابة السيدة الأولى في القصر تشرف على شؤون نساء العائلة وتعليم الأطفال، وتشفع للناس عند الملك في حل مشاكلهم وتلبية حاجاتهم، بل كان الملك عبد العزيز يعتمد عليها في استقبال ضيفات القصر من الزائرات الأجنبيات كما جاء في (نساء شهيرات من نجد). لقد كانت نورة الأخت والصديقة والحكيمة التي يستشيرها عبد العزيز ومستودع أسراره؛ لذلك حرص على زيارتها يومياً، و»في الثلاثينيات عندما وصل الهاتف إلى الرياض قام المهندسون بمد أول خط هاتفي بين قصر عبد العزيز وقصر شقيقته نورة» وتمتعت بمكانة بارزة بين نساء عصرها لما تميزت به من حكمة وتدين وورع وأخلاق حميدة، كما كانت مُتفتحة الذهن لاستيعاب تطورات العصر مما جعلها شخصية لافتة في زمنها؛ فوصفتها فيوليت ديكسون بأنها «من أكثر النساء اللاتي قابلتهن جاذبية ومرحاً» ومن أهم الشخصيات في الجزيرة العربية، فيما قال عنها فليبي: «كانت السيدة الأولى في بلدها». وهكذا استمرت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في عطائها سياسياً واجتماعياً وتعليمياِ حتى انتقلت إلى جوار ربها في25 رمضان1369ه/ 1950م وهي في السابعة والسبعين؛ وكان لوفاتها قبل أسبوعين من الاحتفالات الوطنية بمرور خمسين عاماً على استعادة الرياض تأثيره لإلغائها. ولذلك كان اسمها البارز رمزاً لأول وأكبر جامعة سعودية للبنات؛ وأيضاً تحمله جائزة الأميرة نورة للتميز النسائي السعودي أبرز الجوائز السعودية للمرأة والتي تُشرف عليها الجامعة بعد أن أطلقتها قبل أربع سنوات في عهد معالي د.هدى العميل مديرة الجامعة سابقاً، وضمت آنذاك لجنتها العليا التي أشرفت على تأسيسها وفق ضوابط ومعايير الجوائز العالمية؛ صاحبة السمو الأميرة نورة بنت محمد بن سعود آل سعود وصاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله آل سعود ود.عزيزة المانع الأمينة السابقة للجائزة؛ وعدداً من الفُضليات ذوات الخبرة؛ وكان لي الشرف أني كنتُ ضمن عضوات اللجنة العليا الموقرة في دورتها الأولى لأربع سنوات مُمثلة لوزارة الثقافة والإعلام سابقاً قبل فصلهما. وحالياً تشهد الجائزة تطوراً وجهداً بارزاً في ظلّ عضوات لجنتها العليا في دورتها الثانية من صاحبات السمو وذوات الاختصاص تترأسها بحماس واهتمام بارز معالي مديرة الجامعة د.إيناس العيسى فيما تتولى أمانة الجائزة ونائبتها فيها أستاذة التاريخ القديم د.حصة الهذال وهي مكسبٌ مهمٌ في فريق عمل الجائزة؛ وقد تم فتح باب الترشيح لهذا العام منذ أيام للمبدعات السعوديات بمجالاتها العلمية والأدبية والاجتماعية والفنية وفق معايير الجوائز العالمية؛ فمن ستفوز من السعوديات بهذه الجائزة هي الجديرة بحمل اسم جائزة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن المُلهمة بحجم هذا الوطن العظيم.