استوقفني في وحدة نظام الأسرة ومقاصده في مناهج الثقافة الإسلامية في جامعاتنا، الآتي: أولاً : معنى الأسرة في اللغة: عشيرة الرجل وأهل بيته. كما يُطلق اللفظ على الجماعة التي يربطها أمر مشترك، تشبيهاً لهم بأهل البيت الواحد. فهنا نجد مؤلفي هذه الكتب بدأوه بإقصاء المرأة كمُكوِّن وشريك أساسي في الأسرة، وجعلها تابعاً للرجل تعيش في بيته، ومن خلال قراءتنا للكتاب نجد أنّ رؤية مؤلفيه تقوم على هذا المعنى. فباسم الشريعة الإسلامية مارسوا ضغوطًا نفسية كبرى على المرأة باعتبارهم الزوج مالكًا لزوجته روحًا وجسدًا وسلوكًا وتصرفًا، فلا تخرج إلّا بإذنه، ولا تزور إخوتها وأخواتها وسائر أقاربها إلّا بإذنه، وتعّطفوا عليها باستثناء والديها اللذيْن على الزوجة أن تُفضل زوجها عليهما، ولا يحق لها أن تدخل أحدًا في بيته (فقد اعتبروا بيت الأسرة هو بيت الزوج) مُخالفين بذلك القرآن الذي جعل بيت الزوجية، هو بيت الزوجة كقوله تعالى (ولا تُخرجوهن من بيوتهن)، ولم يكتفوا بهذا فقد قيّدوا حريتها حتى في التصرف في مالها، فلا يحق لها التصرف فيه إلّا بإذنه، مستدلين بأحاديث ضعيفة وموضوعة ليُكسبوا ما يقولونه صفة الشرعية. ثانيًا: إقصاء المرأة عن المشاركة في الحياة العامة.. كما أقصوها كمُكَّون أساسي للأسرة وشريك أساسي فيها، فقد أقصوها عن المشاركة في الحياة العامة، معتبرين أنّ الأصل بالنسبة للمرأة ملازمتها للبيت، ولا تخرج منه إلّا لضرورة مستدلين بجزء من آية تخص أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، وليس نساء المؤمنين بعد اقتطاعها من سياقها الذي يُبيّن هذا. وعند السماح لها بالعمل بعد إذن الزوج حدّدوه في مجالات معينة، والأمثلة على قولهم ما تقدّم الآتي: 1. فالرجل تقع على عاتقه مهام الإدارة الخارجية التي تتطلب قدرًا كبيرًا من الحزم وحسم الرأي وفض النزاعات الكبرى، والمرأة تقع على عاتقها مهام الإدارة الداخلية وشؤون الأسرة، والتي تتطلب قدرًا كبيراً من الحنان والاهتمام والرعاية والتربية والتوجيه. «الموازنة بين العمل الخارجي وأعمال الأسرة الداخلية مطلب لازم من الجنسين، والعمل والكسب الحلال مطلب ضروري شرعي لإعالة الأسرة والقيام بمصالحها.» وفي هذه الأقاويل مخالفة صريحة لمساواة الإسلام بين الناس في حق العمل، فلقد أعطى الإسلام كل فرد رجلًا كان أو امرأة الحق في أن يزاول أي عمل مشروع يروق له، وتكون لديه الكفاية للقيام به، وقد حث الإسلام على العمل أيًا كان نوعه مادام داخلًا في نطاق الأعمال المشروعة، وأمر به، وأعلى شأنه، يقول تعالى في كتابه العزيز:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُم الأرضَ ذَلُولاً فامْشُوُا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوُا مِنْ رِزْقِهِ)، وعليهم أن ينصرفوا إلى أعمالهم بعد أدائهم لصلاة الفريضة:(فإذا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوُا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوُا مِنْ فَضْلِ اللهِ كَثِيراً وَاذْكُرُوُا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون) [الجمعة:10]، ولقد أجاز القرآن مباشرة أعمال التجارة، وما إليها أثناء أداء مناسك الحج، قال تعالى:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جناح أنْ تبْتَغُوُا فَضَلاً مِنْ رِبِّكُم فَإِذَا أَفَضتُمْ مِنْ عَرَفَات فاذْكُرُوُا اللهَ عِنْدَ المشْعَرِ الحَرَام).. قال المفسرون في هذه الآية إنَّها تحث على الأخذ بأسباب الرزق ومزاولة أعمال التجارة، وما إليها في مواطن الحج نفسها ومواسمه، وقوله تعالى: (لِيَأْكُلُوُا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيِهِمْ أَفَلاَ يِشْكُرُون)[ياسين:35] فبأي حق يُعطى للزوج حق منع زوجته من العمل؟ 2. تقييد عمل المرأة في النص التالي:»العمل مباح للمرأة مقيد بما يناسبها ويراعي خصائصها ويتواءم مع أعمالها الأخرى داخل نطاق الأسرة؛ لأنّ الأصل في عمل المرأة ما تعلّق بدورها الأسري: بنتًا، وأختًا، وزوجة، وأمًا، ثم ما يتبع هذا من عمل مباح وينفعها وتسهم به في خدمة دينها ومجتمعها». ولي وقفة هنا.. إلزام الأخت بالتزامات أسرية، وإعطاء الأخ حق منعها من العمل باعتباره وليها فيه ظلم بيّن لها، لأنّ هذا يُعرّضها للذل والإذلال من قبل زوجة أخيها إن تُوفي والداها، ويُعرّضها لعضل أخيها بحرمانها من الزواج، لتصبح مربية لأولاده، وخادمة لهم ولزوجته ، لأنّه لا يوجد لها دخل مستقل خاص بها تعيش منه، وحتى إنْ ورثت من والديها مالاً يُعيشها حياة كريمة في الغالب يستولي أخوها على أموالها بحكم وكالتها له، وهناك بعض المناطق في المملكة، وبعض الدول العربية تحرم الأخوات من حظوظهن في الميراث بموجب أعراف قبلية، وقد لا تجد من ينفق عليها، وتعيش على الصدقات والضمان الاجتماعي، إضافة إلى أنّنا نجد بعض القوانين في بعض الدول العربية لا تعتبر الأخت من ضمن أفراد الأسرة، كما لا تعتبر درجة قرابتها من الدرجة الأولى. ويقول معدو المنهج: «وقد ألزم الإسلام الرجل بالإنفاق على أهل بيته كي لا تضطر المرأة لعمل خارجي قد يكون فيه مضاعفة لجهدها وتعريضها للأذى الحسي أو المعنوي الذي تتعرض له العاملات في البلاد الأخرى». وهل يضمن مؤلفو الكتاب استمرار حياتها الزوجية؟، فقد يتوفى الزوج في شبابه، أو يمرض مرضاً يحول بينه، وبين مواصلة العمل، أو قد يُمارس زوجها شتى أنواع العنف ضدها، ولا تستطيع طلب الطلاق منه لعدم وجود دخل لديها يعيشها أو قد تُطلق، ويقذف بها زوجها في الشارع إن فقدت المعيل، ولا يوجد لديها بيت يؤويها، ودخل تُنفق منه، وقد يكون لها أب أو أخ ولكنهما لا يتكفلان بها بعد طلاقها، وقد جاءتني العديد من مثل تلك الحالات باعتباري عضوة في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. للحديث صلة.