استوقفتني منهجية حرية الرأي والتعبير عند البعض ممن شعارهم هذين البيتين «إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا» فقلت «ليته ترددّا وما تسلّطا..» بالطبع لا اقصد الشاعر. كما تعلمون أن حرية الرأي والتعبير حق محفوظ ونحن ولله الحمد في كنف دولة أعزها الله بالإسلام أولا ثم بعدالة وحزم قادتها، ولو تطرقنا لجانب حق التعبير والرأي المطبق بها في الإسلام فهو واضح وصريح بأن كل مواطن له الحرية وكلّ حقٍ له يقابله واجب عليه ليكون هناك توازن في الحياة، فإن مفهوم الحرية يتحقّق من خلال الحقوق والواجبات باعتبارهما وجهين لحقيقة واحدة لأنّ الحقوق من دون أن تقيّد بالواجبات سيصبح الفرد فيها غير مرتبط بالآخرين وقد يعرف حقوقه ولا يعرف حقوق الآخرين عليه وبذلك يصبح انفراديًا في تعامله قاصرًا عن أداء واجباته، فإذا كانت الحرّية من منطلق الحقوق فقط دون الواجبات كان عدم التوازن في الحياة.. وقد حرص الإسلام على تطبيق مبدأ الحرّية في هذه الحدود وبهذه المناهج في مختلف شؤون الحياة، وأخذ به في جميع القضايا التي تقتضي كرامة الفرد في شؤونها وهي المناحي المدنية والدينية ومناحي التفكير والتعبير، ومناحي السياسة والحكم حتى وصل إلى شأن رفيع لم تصل إلى مثله شريعة أُخرى من شرائع العالم قديمه وحديثه. ومن هذا نستشف أن حرّية التعبير عن الرأي في الإسلام يعود إلى معرفة مكانة الإنسان فيه، ثمّ معرفة الحوار وضوابطه عن طريق احترام الإنسان الآخر الذي نتعامل معه كائنًا مَن كان فلابدّ من الاعتراف به أوّلاً، ثمّ صيانته فالحرية لا تعني الفوضى واستباحة محارم الله ومجاوزة الحد والتعدي على الحاكم وأنظمة الدولة وإلحاق الضرر بالآخرين والتدخل في أعراضهم واديانهم ومقدساتهم، والسخرية من مقامات الأنبياء عليهم السلام وإنّ موقفنا حازم؛ فلا ننسى الأسى ممن فرّ ونسى كما فعلت «فرنسا» فإن أحدَ مفسداتِ الرأيِ علمُ الحقوقِ وخلاعةُ الأدبِ تسلّطًا، فلك حرية التعبير برأيك لكن ليس لك حق بالبعد عن الإنسانية وتعدي النهج فحتمًا هو سهم أطلقته عائدٌ إليك لا محالة.. وديننا دين سلامٍ ويسرٍ واعتدال، يمثلونه خير أمة أخرجت للعالمين، محاربين للتطرف والإرهاب، ومن يحاول تدليس الحق كنّا لكفّ فساده ضاربين بيدٍ من حديد.