بعض النصوص تتحمل التفسيرات والتأويلات الواسعة والكبيرة، لأنها حمَّالة أوجه ولأنها تحمل معاني كبيرة في جُمل صغيرة. من هنا.. دعونا نتحدث عن مفهوم الجليس الصالح الذي ورد في الحديث والجليس السوء في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة). لماذا لا نفكر كما يقول أهل الإبداع خارج الصندوق ونوسع مفهوم المعنى الخاص بالجليس بحيث لا يُشترط أن يكونوا من البشر.! لقد جرت العادة أن نحكم على الشخص من خلال أصدقائه وقد قيل في هذا الكثير من القصائد والحكم، واليوم أصبح الجليس إما النفس الأمارة بالسوء، أو الهاتف الجوال الذي بين أيدينا، فمَثلاً نجد الجوال الجليس الملازم للإنسان في وقتنا الحاضر، ورغم أنه قد يكون جليساً صالحاً ومُعيناً على طلب العلم وإنتاج الأفكار، إلا أنه قد يكون جليساً سيئاً مُصرِفاً عن أداء الأعمال والجلوس مع الأُسر.! وكأنه أصبح هو الجليس ومحتوياته هي التي ترشدنا إلى الشر، أو تقربنا إلى الخير ..أو تجعلنا كما نحن عليه بين اللاخير واللاشر.!! لا أُنكر أهمية الجوال والتنقل بين وسائل التواصل المتعددة، وقد تتعارض الآراء حول انعكاسات استخدامه، فالبعض يراه جليساً صالحاً ونعمة يصنع من خلاله لنفسه عالماً افتراضياً بحيث يكوِّن أصدقاء افتراضيين من كل أنحاء العالم ويسعى للاستفادة من التواصل والمعلومات، والبعض الآخر يراه جليساً سيئاً ونقمة لانعكاساته السلبية، مما يقلل من القيام بالنشاطات الأخرى والأشخاص الآخرين في حياته!. إن جلوس الإنسان مع جواله كما تقول الدراسات يتراوح ما بين خمس إلى ست ساعات يومياً، ومع ذلك لم يذكر أحد من العلماء السابقين أن الجوال قد يكون هو الجليس الصالح أو الجليس السوء، بالرغم من تأثيره القوي علينا وعلى مشاعرنا وأفكارنا، بل وحتى على تشاؤمنا وتفاؤلنا!. حسناً ماذا بقي؟!! بقي القول: قبل أيام كَتبتُ ناصية أقول فيها: إذا قلت لي من تُتابع.. وماذا ترسل في مواقع التواصل الاجتماعي، سأقول لك من أنت وماهي اهتماماتك!. والشاعر القديم يقول : عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه.. فكل قرين بالمقارن يقتدي.! إذن... دعونا نَقلْ: إن الجليس الصالح والجليس السوء هو الجوال الذي بين أيدينا نظراً لقضاء أطول وقت معه.. هذا الوقت الذي قد لا نقضيه مع أنفسنا ولا مع أسرنا ولا مع أصدقائنا!.