بقلم | أسماء الجرباء الإنسان بطبيعته يميل للاختلاط وهذا بما جبله الله عليه؛ لكي لا يمل ولكنَّ العبرةَ في اختيارِ الجليسِ الذي بدورهِ سيؤدي بك إلى الخطأ أو الصواب. بيد أن الجلساء ينقسمون إلى نوعين من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنما مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يَحذيَك وأما أن تبتاع منه وأما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: أما أن يحرق ثيابك، وأما أن تجد منه ريحا خبيثة “. نريد أن نبين غريب الحديث من الكلمات مثل قوله: (الجليس) هو الذي يجالسك، وفي قوله: (حامل المسك) هنا شَبَّه الصلاح بالمسك لطيب ريحه، وعزة وجوده، وقوة رغبته وقوله: (نافخ الكير) شبه السوء بالكير؛ لأنه لا يصلح إلا لإضرام النار وزيادة تسعيرها. وقوله: ( أن يحذيك) أي يجود عليك من مسكه. قوله: (وإما أن تبتاع منه) أي تشتري منه العمل الصالح او كلمه طيبه او فعل طيب. وقوله: (وإما أن تجد منه ريحا طيبة) لإرشاده للهدى والتقى إلى أن يشفعوا في الآخرة بمجالستهم ومحبتهم ومواساتهم، وقوله: (ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك) أي إما أن تتبعه في شيء من سوءه فيلهب دينك وحسناتك بنار المعصية. قوله: (وإما أن تجد منه ريحا خبيثة) أي إن لم تتبعه تتضرر بكآبة جهله وفحشه وفسقه، ولو بمجرد مجالسته إذا اتخذته خليلا. فبعد هذا التبيين نجد أن الجلساء نوعين هما الجليس الصالح وجليس السوء اما بالنسبة للجليس الصالح فهو من يمتعك بعلمه او فطنته او ذكائه او يرشدك او ينصحك للصواب فمن ثمرات الجليس الصالح ان يقربك الى الله بكثرة ذكر الله تعالى، وايضا من ثمرات صحبته ذكر الامور النافعة التي تقيك شر وسوء الدنيا والآخرة، يغفر لك الزلة، ويرضى عنك بسرعة إن أخطأت.. لقول الشاعر منصور الكريزي: – أغمض عيني عن صديقي كأنني *** لديه بما يأتي من القبح جاهلُ وما بي جهل ان خليقتي *** تطيق احتمال الكره فيما أحاولُ . فالجليس الصالح يدفع بك للحياة والاخرة بشكل مستقيم لا يخطئك ولا تخطئه. وأما جليس السوء وهو نافخُ الكير الذي يجعل دائرة النار موقدة من حولك وهو من يبعدك عن الله سبحانه، ويبعدك عن الناس، وهو من يجعل بينك وبين الاخرين شحناء أو بغضاء، وهو من يجعل من نفسه صورة حسنة أمام الغير ويجعل منك شيئا سيئا عندهم فبالتالي سوف يجعلك تتصرف بطريقة جاهلا او متخلفا فيجعل بقلوب الاخرين شيئا سيئا اتجاهك او حتى تقليل الاحترام اتجاهك لقول علي بن ابي طالب _ رضي الله عنه _ حين قال: فلا تصحب أخا *** الجهل وإياك واياهُ فكم من جاهلٍ أردى *** حليماً حين آخاهُ. الجليس هو من يكون اخ او اخت اوقريب او صديق او ربما شخص لا تراه الا مرات قليلة لكنه ربما يكون صالح أو سيء وربما يكون شيئا ماديا كالكتاب او المسبحه .ما نراه الآن ان الجليس والرفيق هو الهاتف المتنقل، وكثيرا ما ينخدع الاخ باخيه او اخته اقرب الناس إليه بسبب ما يظهروه من مودة وهم عكس ذلك فمثلا تطلب الأخت من اخاها بأن يخبرها ما عنده من أمور أو مشاكل لتساعده وهي في الحقيقة لديها هدف معرفة ماعنده لتسترزق بنقل اخباره وعندما يخبرها تحرضه على أهل بيته أو اصدقائه أو أن تستغل أصدقائه لصالحها وتبعده عنهم بطريقة تجعله يصغر بعينهم، لذلك ليس على المرء أن يخبر ما بداخله لمن يجلبون له المشاكل او يجعلون بينه وبين من يريدونه فجوة كبيرة فالمرء لا يلدغ من الجحر مرتين. اذا فإن على المرء أن يعلم من هو جليسه وبما يتحدث معه وما الذي يأخذه منه وما يجب عليه تركه دون تقديس للشخص الجليس أو تقديس ما يقوله فبالنهاية الجليس مجرد بشر يخطئ ويصيب. جالس العالم والدكتور والعامل والغني والفقير وخذ من علمهم فالعلم ليس شهادة وإنما خبرة الحياة واشباكها فالجلساء الصالحون قلة قليلة وجلساء السوء كُثُر. يطول الحديث عن الجليس الصالح وجليس السوء ولكن سأختمها بهذه الأبيات لأحد الشعراء قوله: وما بقيت من اللذات إلاَّ محادثةَ الرجالَ ذوي العقول وقد كنا نعدهم قليلاً فقد صاروا أقل من القليلِ .