لسنا عاجزين إن بدت خطواتنا متخمة، وحوصرنا بسيل محولاتنا الفاشلة، وأهدافنا التي أصبحت شبه معطلة. لسنا عاجزين إن جمعنا أمنياتنا، وهجرنا النور، أو ندفن ضعفنا خلف أبعد سور، ونقذف بشظايا بؤسنا على الكون، محاولين أن نزيح الثقل الذي يحبس أنفاسنا التي تجهش بالخيبات. ليس عجزًا أن نركن لسكون، أو أن ننعم بلحظة هدوء نتعرف فيها على ذاوتنا في زحام المشاعر، نحتاج لمساحة فارغة من كل شيء تحوي أرواحنا عندما نحررها من قيود المسؤوليات، وترتيب الأولويات، تتوقف فيها عجلة التفكير في بلوغ التحديات، ومصاعب الحياة، مساحة ليس لها أسقف لطموحات وبلا أبواب مواربة تجعل علينا سبيلا للأيدي التي تحمل لنا أطواق النجاة، أو عناوين وأدلة للباحثين عن أسباب اختفائنا، نحتاج للحظات نرمرم فيها ذواتنا، نصلح ما أفسده الوقت فينا، نعيد إنعاش أرواحنا المقتولة بسكين، لا أبالغ إن قلت إننا نحتاج لأن نحتضر داخلنا لنتخلص من آخر قطرة من الوجع، أن نبكي لآخر دمعة تطهرنا من خطيئة الحزن الذي يشوه جمال ملامحنا، ثم نرتدي وجوهًا جديدة، لا تحمل وسم الزمان. كل ذلك بعيد عن رأفة الأنظار، لأن بعض الألم يشبه الموت تمامًا، فليس ضعفًا إن شارفت مشاعرنا على الانتحار بصمت، أو ماتت أرواحنا بدواخلنا بصمت، بل تموت لتحيا دون خوف، دون ضعف، ولن يعييها ألم، ولن يجرحها سكين ندم، ثم تعود متعطشة لرائحة الحياة تزرع روحًا في جوف الأشياء. تستلقي تلك المشاعر على شاطئ السلام تردد آيات السكينة، وتحاول النهوض من جديد وتقف لمواجهة الطوفان، كموجة غاصت بحثًا عن قطرة ليست من ماء البحر، ولا تنتمي لمياه المحيطات، دفعتها للخارج لترطم وتفلق الصخر. عزيزي القارئ، الحزن ليس ضعفًا، والبكاء ليس خيبة، خذ الوقت الكافي لترميم نفسك لتعود أقوى مما كنت عليه، إن فقدت مركبك في موجات الحياة العالية اصنع مركبا أضخم، وارفع شراع الأمل، حيث تبحر بسلام، وستبتسم لك السماء.