يمر الإنسان بمواقف كثيرة في الحياة.. منها المحزن ومنها المبهج، ولكن يتفق الجميع على أن كدر الحياة أكثر من صفوها، ومنغصات الحياة وآلامها كثيرة ومتعددة، وأحياناً من شدة ألمها تجعلنا نذرف الدموع، إما حزناً لفقد عزيز، وإما بسبب فراق، أو وداع، أو فشل، أو حتى خيانة أو غدر.. تعددت الأسباب والدمع واحد، إلاّ أنّ هناك أناسا، رجالاً أو نساء لا يحبون أن يراهم أحد وهم يبكون، حتى لا يفرح فيهم عدو، أو يشعر الآخرين بضعفهم أمام المواقف، خاصةً إذا كانوا ممن يعرف عنهم القسوة أو القوة في تحمل الشدائد. الابتعاد عن أعين الآخرين وقالت "فاتن" إنّها لا تستطيع حبس دموعها أمام أي موقف كان، إلاّ أنّها أحياناً وفي مواقف محددة تفضّل أن لا يراها أحد وهي تبكي، موضحةً أنّها في حالة القهر من أحد الأقارب أو الأصدقاء فإنّها تفضل أن تبكي في الخفاء، وتظهر أمامهم أنّها قوية، كاشفةً أنّها تبكي بحرقة بعيداً عن الآخرين عندما تشعر أنّها فشلت أو أخفقت في عمل أو مهمة كانت قد وضعت جل أمالها فيها، فهي تبتعد حتى لا تسمع كلمات المواساة والشفقة من الآخرين. تصفية الذهن وقال "أحمد" أنّه لا يبكي أمام الآخرين مهما كان شدة تأثره، فأهله دائماً يسمونه "ميت القلب" لأنّه لا يبيّن تأثره أمام المواقف، في حين أنّه إذا خلا بنفسه يطلق العنان لدموعه كي تنزل حتى يريح قلبه الذي تحمل فوق طاقته، مضيفاً: "أوقات كثيرة عندما يزداد الحمل علي ولا أستطيع أن أصبر أذهب لأبعد مكان خال من السكان وأبدأ بالصراخ والبكاء حتى أستعيد توازني وذهني الصافي وأريح نفسي"، معتبراً هذه الطريقة هي المتنفس الجيّد لكل من زادت عليه ضغوط الحياة أو مر بمشاهدات أو مواقف لا يستطيع حيالها التعبير عن مشاعره بنفس اللحظة. «الرجل الشرقي» تربى على أن البكاء أمام الآخرين «عيب» و«ضعف» حتى وإن كان يخفف من معاناته دموع الرجال وأضاف "عبداللطيف": "أتحاشى دائماً أن يراني أحد والدي أبكي، وكذلك زوجتي وأولادي، فقد تربينا على أنّ بكاء الرجل عيب، وليس من الرجولة أن يذرف الشخص دموعه في أي وقت"، مبيناً أنّه في مواقف معينة ينسى الرجل كل ذلك وأمام الموقف لا يستطيع إلاّ أن يذرف دموعه من دون خجل، وهذا ما حصل معي عندما توفي أخي فلم أستطع تمالك نفسي، وأجهشت بالبكاء أمام الملأ؛ لدرجة أنّ الجميع توقف عن البكاء لا لشيء وإنما لكي أتوقف عنه، مشيراً إلى أنّ الحمل يكون قد زاد عن حده، ويأتي موقف يجعلنا نخرج الدموع كلها دفعة واحدة وهذا سبب عدم انقطاع البكاء حال أي موقف لا نستطيع تحمل قوته. فقدان الحبيب وأشارت "مها" إلى أنّ الرجل يتحمل أكثر من المرأة، فيستطيع التحكم بنفسه، وضبط انفعالاته، إلاّ أنّها صُدمت عندما رأت والدها في إحدى المرات يبكي بعد وفاة والدتها، مضيفةً: "عندما توفيت أمي كان والدي هو من يصبرنا، ويواسينا، وينهانا عن البكاء عليها، وبعد مرور أكثر من أسبوعين، مررت بجانب غرفته وسمعته يبكي كأنّه لم يبك من قبل، إلاّ أنّه بمجرد طرقي الباب كفكف دموعه وتظاهر بأن شيئاً قد جرح عينه، حتى لا يُشعرني أنّه كان يبكي، وأخفى دموعه". هروب من المواساة وأوضح "تركي العتيبي" أنّ تكوين الأشخاص يختلف، فمنهم من لديه اعتزاز بنفسه حتى إنّه لا يريد أن تهتز شخصيته أمام الآخرين بذرف الدموع، ومنهم من يخاف أن يُقال عنه أّنه ضعيف ولا يتحمل، ومنهم من يقتنع أنّه قوي على أن يتأثر بينما في داخله ما زال طفلاً يحتاج لرعايته، فالمواقف التي تستدعي الدموع كثيرة، ولكن دائماً هناك سبب جوهري يجعل الشخص يخفي دموعه أمام الآخرين، وذلك حتى لا يتشفى فيه أحد، فبعضهم يكره "الطبطبة" والمواساة، ويخاف من أن يقال عنه أنّه تعرض لموقف أبكاه ورأى الجميع دموعه، خاصة الرجال، لذلك هم أكثر من يخفي دموعه. تغيّر المعاملة وبيّن "صالح المناري" أنّ دموعه عزيزة عليه، وهي كالدرة لا يريد أن يراها أحد، لذلك فهو يخفيها عن القريب قبل الغريب، وعن الصديق قبل العدو، مضيفاً: "لا أنكر أنّ الدموع تريح النفس لكنني أحرص على أن لا يراها أحد حتى لا أبدو ضعيفاً، أو حتى لا تجرح دمعتي أحد، فبعضهم قد تتغيّر معاملته معك بعد أن يرى دموعك، ويعد دموعك نقصاً في رجولتك، في حين قد ترتقي دموعك بقيمتك عند آخر، فأنا أفضل أن تكون دموعي بمعزل عن الآخرين ولا تكون هي السبيل لتقويم الناس لي". حين تضع رأسك على «الوسادة» وتبكي على الحال طوال الليل لا تنتظر شمساً تواسي آلامك سلاح الدموع ولفت "علي أبو حكمة" - مستشار نفسي - إلى أنّ الدموع وسيلة لغسل العيون والنفوس مما اختلج بداخلها من مشاعر، وتكون الوسيلة الفريدة في نوعها للتعبير عن الحالة الإنسانية، فالنساء مثلاً يستخدمن الدموع سلاحا لتحقيق رغباتهن خاصة أمام أزواجهن أو آبائهن، ولا يخشين أن ينظر لهذه الدموع نظرة ضعف أو استحقار، بينما الرجل الشرقي يختلف كثيرا، فقد عُرف منذ القدم في تربيتنا أولادنا أن البكاء عيب ودليل على الضعف، لذلك يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره بالدموع". تحكم بالعاطفة وعد "أبو حكمة" أنّ الأسباب عديدة لإخفاء أي الجنسين دموعه عن الآخرين؛ منها ما يكون نفسيا ومنها ما هو شخصي، فالدوافع النفسية تكون كما قلنا من التربية خاصة للرجل الذي يجعل من الدموع والبكاء شيء مخز وشيء غير ذي قيمة عند الرجل، فينشأ على أنّ دموعه محظورة الخروج إلاّ بإذن وتصريح، لذلك قلما نجد رجلاً يبكي إلاّ في حالات نادرة، التي يكون الموقف فيها قد هز الرجل من داخله وجعل الدموع هي التعبير الوحيد عن حالته، أما الحالات الشخصية فهي النظرة من الآخرين للشخص الذي يظهر دموعه التي تجعل الآخرين يتعاطفون معه أو يستهترون ويستخفون به أو قد يحتقرونه، لذلك يبتعد الشخص عن ذرف دموعه أمام الملأ، حتى لا تعبر عن ضعفه أو قلة حيلته لذلك نجد أن الرجل أكثر تحكماً فى عاطفته، ولا يحب أن يظهرها حتى إذا كان انسانا مرهف الحس والمشاعر. أضرار الكبت ونوّه "أبو حكمة" أنّ معظم توترات الأعصاب والعنف لدى الرجال تعود إلى أنّ الرجل يحرم نفسه من نعمة البكاء، ولو جمعت دموع الرجال الذين بكوا في العيادات النفسية أو في حياتنا الاجتماعية، لكانت أنهاراً، والكبت يضاعف من حجم التوتر النفسى؛ ما يؤدى إلي الإصابة بالصداع المزمن، وارتفاع ضغط الدم، وربما قرحة المعدة، وأمراض القلب. يختار بعضهم البكاء بعيداً حتى لا يؤثر في من يحب ولا يعطي فرصة للعواذل دمعة المرأة تبقى الأسرع والأكثر تأثيراً في القلب لا تبخل على روحك بالبكاء فالدمعة الصادقة تطهر القلب