قليلون هم الذين يجمعون بين ناصية العلم وسماحة الإيمان، يزاوجون بين التبحر في الشرع وحلاوة اللسان. أحد هؤلاء هو أستاذي ومعلمي وصديقي ووالدي معالي الدكتور عبدالسلام داود العبادي، وزير المقدسات الأردني الأسبق وأمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة الذي وافته المنية قبل أيام، وترك بداخلي جرح لا يندمل، وحزن كبير على فراقه. كان الدكتور عبدالسلام «يرحمه الله» أحد كوكبة المخلصين الذين وهبوا حياتهم للعلم، وأفنوا سنواتهم في البحث، وقضوا جل وقتهم في اسعاد الآخرين، وإضاءة الطريق أمامهم، كان بمثابة الطيب الذي يعطر المكان، وينشر حوله أريج المحبة وصفاء الابتسامة، والراحة والطمأنينة. في شهر رجب الماضي، قررت أن أتوج علاقتي المتينة مع معالي الدكتور العبادي بحفل تكريم يليق بمكانته، ويترجم حبي الكبير له، واتفقنا على أن يكون ذلك يوم 13 شعبان 1441ه، وآثر أن يأتي مباركته بزواج ابنتي شيماء، لكن فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) الذي انتشر بصورة كبيرة في العالم كله، تسبب في تأجيل لقاء انتظرته كثيرا، وبالفعل تم التواصل والاتفاق على تأجيل الموعد إلى 5 محرم.. وكنت تواق لهذا الاحتفال، شغوفًا بالاستماع إلى أحاديثه المباركة ونصائحه القيمة، والتزود من علمه المديد. وفيما كنت أستعد للاحتفالية المؤجلة، وبعدما جهزت درع التكريم ودعوت الكثيرين من أحبابه ومريديه، جاءني خبر وفاته يحمل الكثير من الصدمة والألم، حيث انتقل إلى رحمة الله تعالى قبل اللقاء ب15 يوماً فقط، وأصبحنا جميعا لا نملك سوى الدعاء له بأن يسكنه فسيح جناته، ويجزيه على كل ما زرعه من حب ومودة في الحياة الدنيا، ويجمعنا به في لقاء لا ينفض في الفردوس الأعلى. كان الفقيد «يرحمه الله» علامة في الشريعة ودروبها، وأصدر عشرات المؤلفات التي آثرت المكتبة الإسلامية، مما أهله للحصول على العديد من الجوائز والأوسمة. إذا كان الوالد والصديق والحبيب الدكتور عبدالسلام رحل عن دنيانا، ستبقى دراساته وأبحاثه وعلومه يتدارسها الجيل الجديد عقود عديدة، وستبقى سماحته نبراساَ وعنواناً للإسلام الوسطي الذي يبني ولا يهدم. رحم الله الدكتور العبادي، وجزاه خيرًا عن جهوده العلمية والتربوية والدعوية بالمغفرة والرحمة والرضوان، وأخلف للأمة العربية والإسلامية وطلبة العلم فيهما؛ علماء مخلصين يحفظون علوم الشريعة ويرفعون لواءها.