لا راد لقضاء الله وقدرته (إنا لله وإنا إليه راجعون)، (وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت).. هكذا رددت مرارًا وتكرارًا عندما تلقيت الخبر المفجع بوفاة أخي الكريم، وصديقي الحبيب، وأستاذي وقدوتي الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي، وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف الذي وافته المنية فجر يوم الجمعة، بعد أن استعد للصلاة وقدم الدواء لأبيه فقد كان -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- ابنًا بارًا بوالديه، وأبًا حنونًا لابنتيه، وصديقًا صدوقًا ومخلصًا لكل من حوله من أهله والعاملين معه في الوزارة، فاللهم يا أرحم الراحمين أكرم مثواه، وخلد ذكراه، وتقبله في عبادك الصالحين. لقد وهب الله لهذا الرجل في دنياه القبول في الارض بين الناس، ومتعه بالكثير من الخصال الحميدة، وجملة من الشمائل والقيم التي يحسها ويعرفها كل من يعرفه ويخالطه في عمله الذي لم ينقطع عنه طوال حياته، بل وكان قدوة صالحة لكل من يعمل معه، فهو يبكر بالحضور الى العمل قبل الجميع ولا ينصرف إلا بعد انصرافهم، وكان بشوشًا عند اللقاء لا تفارق الابتسامة وجهه وكان كريمًا في العطاء مع كل من حوله من الموظفين والعمال البسطاء، وخير دليل على ذلك ما حدث في الوزارة كلها عقب تلقيها خبر الوفاة، فقد خيم حزن شديد على الجميع الى درجة البكاء والنحيب من بعضهم وبصوت مسموع، ومن لم يبك اصابه الوجوم من هول الصدمة ولا حول ولا قوة الا بالله فكم كان وقع الخبر قاسيًا على الجميع، وفي مقدمتهم معالي الوزير صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ الذي بدأ عليه حزن لم نره من قبل، وكان في مقدمة المعزين في جنازته، والمشاركين في دفن جثمانه. اما عن بره بوالديه فمعروف لكل قريب وصديق فهو على سبيل المثال لا الحصر -يرتب لهم مواعيد لمستشفيات ويحرص على اصطحابهم اليها بنفسه رغم وجود اخوانه البررة إلا انه يستمتع في خدمتهم، انها منة من الله سبحانه وتعالى يهبها للصالحين. لقد مرت خمسة عشر عامًا على منصبه وكيلًا للوزارة لشؤون الأوقاف، عمل خلالها في صمت وهدوء في خدمة الأوقاف بصفة خاصة والوزارة بصفة عامة، ووهب جل وقته وصحته وتفانيه وتفاؤله في ان يعود للاوقاف دورها العظيم في بناء الامة وكلنا كنا نأمل ونتوقع -بإذن الله- ان يستمر في مسيرته بتولي منصب المحافظ في “الهيئة العامة للاوقاف” إلا ان الموت عاجله وذلك امر الله وشأنه في خلقه وقوله الحق:(فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)، فلقد آن للفارس ان يترجل عن صهوة جواده؛ ليستريح تاركًا فينا اعظم الاثر والقدوة الحسنة والذكرى الطيبة. رحمك الله وغفر لك ولمن سبقك من علمائنا ومشايخنا من الذين رحلوا عن دنيانا الفانية، لكن ذكراهم العطرة ستبقى ما بقي التاريخ الذي سجل لهم مواقف لا تنسى فقد كانوا رموزًا في زمانهم وسيبقون مثالًا لنا ولغيرنا في التواضع والوداد. يوسف إبراهيم الحميد