الذي استوقفني في هذه الوحدة الآتي: أولاً: شروط الشريعة في عقد الزواج فقد استوقفتني هذه العبارة: «وقد أبطل الإسلام النكاح بغير ولي سدًا لذريعة الزنا، لأنّه يمكن للزاني أن يقول للمرأة أنكحيني نفسك بقدر من المال، ويُشهد على ذلك من يريد من أصحابه». والسؤال هنا: على أي أساس حكم معدو المنهج ببطلان النكاح بغير ولي، وقد اختلف الفقهاء في شرط الولي في الزواج، فاشترط الشافعية والمالكية والحنابلة وجوب وجود الولي في عقد النكاح، استنادًا على حديث : «لا نكاح إلّا بولي». أمّا الإمام أبو حنيفة (80- 150ه/699-767م) فقد أجاز للمرأة تزويج نفسها استنادًا على قوله تعالى:(فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غيرُه)[البقرة:230] ففِعْلُ الطلاق البائن قام به الزوج، ولكن فعل الزواج بغيره تقوم به مطلقته، بمعنى أن تزوج نفسها، فلم يقل جل شأنه «حتى تُنْكح زوجٌ غيره» بمعنى أن يقوم وليها بتزويجها من غيره، وإنّما قال (حتى تنكِح زوجًا غيره) أي هي التي تقوم بفعل تزويج نفسها، وحكماً كلتا الحالين: الطلاق البائن والرجعي الواردين في الآية وصفهما الخالق جل شأنه بِ:(وتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ونجد الذين أخذوا بحديث «لا نكاح إلّا بولي» اختلفوا في وجوب الولي، فمنهم من قال انعقاد النكاح موقوفًا على إجازة الولي، وهي الرواية المشهورة عن محمد بن الحسن، ورواية عن أبي يوسف، وفي مذهب أبي ثور إن أذن لها وليها صح توليها عقد النكاح، وإن لم يأذن لها فلا يصح. وهناك من اشترط الولاية في النكاح على البكر دون الثيِّب، فإن كانت بكرًا فلا نكاح لها إلّا بولي، وإن كانت ثيبًا صح لها أن تتولى أمر نكاحها، وهو مذهب داود الظاهري. وهذا دليل على أنّ الذين أخذوا بهذا الحديث غير مقتنعين بصحته، فالحديث لم يستثن الثيب من شرط الولي، هو جاء على العموم «لا نكاح إلّا بولي» ولم يقل «لا نكاح للبكر إلّا بولي» كما لم يقل» لا نكاح إلّا بولي إن لم يأذن الولي للمرأة بالزواج» ولو كان الحديث صحيحًا لأخذ به الإمام أبو حنيفة،كل هذا يؤكد عدم صحة حديث»لا نكاح إلّا بولي» لتعارضه مع الآية الكريمة، والسنة الصحيحة لا تعارض القرآن الكريم، فالحديث الذي يُعارض القرآن لا يؤخذ به لعدم صحته، وهذا الحديث مختلف في وصله وإرساله. ومصر والمغرب والجزائر أخذت برأي أبي حنيفة، وأعطت للمرأة الراشدة حق تزويج نفسها «للمرأة الراشدة أن تعقد زواجها بحضور وليها، وهو أبوها أو أحد أقاربها، أو أي شخص تختاره[المادة(11) من قانون الأسرة الجزائري]، والمادة 25 من مدونة الأسرة المغربية:»للراشدة أن تعقد زواجها بنفسها، أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها». والإمام أبو حنيفة لا يتبع الغرب، ولا يُنفذ أجندة غربية، وإنّما نفّذ أجندة قرآنية. فهل زواج المصريات والجزائريات والمغربيات باطل لأنّه تم بلا ولي؟. هذا وممّا يجدر ذكره أنّ الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أجاز أن تُزوِّج المرأة نفسها بدون ولي للضرورة في حال عدم وجود الولي مطلقًا، وأجاز أن تُزوج المرأة نفسها إن عضلها والدها، وجميع العصبة، ورفض القاضي أن يُزوِّجها، وهو الرأي الثاني لمذهب الإمام أبي حنيفة. وقفة عند حديث «لا نكاح إلاّ بولي» مختلف في وصله وإرساله فقد رواه سفيان الثوري [جاء في التقريب لابن حجر العسقلاني عن سفيان الثوري:» ثقة، حافظ فقيه عابد، إمام حجة، وكان ربما دلَّس»، وجاء في تهذيب التهذيب: « قال ابن المبارك: حدَّث سفيان بحديث فجئته، وهو يدسه، فلمَّا رآني استحى، وقال: نرويه عنك [ 4/104، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة أولى، سنة 1405ه/ 1994م] وشعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق عن أبي بردة مرسلًا (الحديث المرسل:هو الحديث الذي سقط من سنده الصحابي، مثاله قول: سعيد بن المسيب وأمثاله من التابعين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحذف الصحابي الذي روى عنه، والحديث المرسل من أنواع الحديث الضعيف]، ووصله إسرائيل ويونس وشريك وغيرهم عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم.. فلعل أبا إسحاق رواه مرة موصولًا (الحديث الموصول: هو ما اتصل سنده إلى منتهاه، سواء وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى من دونه)، ومرة مرسلًا، وهذا لا يؤمن لأنّه تغير بآخره...وقيل أن أتقن أصحاب أبي إسحاق» الثوري» وقيل شعبة والثوري، وقيل إسرائيل ..وهناك من يجمع بينهما بأنّها زيادة من ثقة ويغلّب رواية إسرائيل في الوصل للحديث ومن وافقه على رواية من أوقفه. وقال ابن جريج سأل الزهري عنه فأنكره، فضعَّفوا هذا الحديث من أجل هذا، وبعض أهل العلم ينكر صحة هذه الحكاية عن ابن جريج، وبعضهم يرجح نسيان الزهري لهذا الحديث. ومذهبه كما رواه ابن أبي شيبة في المصنف جواز النكاح من الكفؤ بغير ولي!! للحديث صلة.