عند قراءتنا لتعريف الزواج في مدوّنات الأحوال الشخصية للبلاد العربية، نجد هناك شبه إجماع على أنّ الزواج هو عقد شرعي بين رجل وامرأة (وثيقة مسقط، قانون الأسرة البحريني، قانون الأحوال الكويتي والعُماني، والمصري، والعراقي، والسوري، والأردني، والفلسطيني، والموريتاني، والجزائري، وطائفة الدروز)، ومع أنّ تعريف هذه المدوّنات أنّ الزواج عقد شرعي بين رجل وامرأة إلّا أنّها تشترط ولي المرأة في عقده، باستثناء قانون الأحوال المصري، ومجلة الأحوال التونسية، والمادة (11) من قانون الأسرة الجزائري، والمادة 25 من مدونة الأسرة المغربية «التي أعطت للمرأة الراشدة الحق أن تعقد زواجها بحضور وليها، وهو أبوها أو أحد أقاربها، أو أي شخص تختاره». إنّ «تولي ولي المرأة، أو من يقوم مقامه عقد زواجها»، مجرد رأي لبعض الفقهاء لا يستند على نص شرعي، ممّا أدى إلى ارتفاع نسبة العضل عندنا في المملكة لأسبابٍ مختلفة، «مالية أو اجتماعية»... وغيرها، والضحية عشرات الألوف من بناتنا. والسؤال الذي أطرحه للذين يُحرِّمون على المرأة البالغة الرشيدة تزويج نفسها: ما حكم صحة عقود الزواج في مصر وتونس والجزائر والمغرب التي أعطت للمرأة حق تزويج نفسها، هل تعد باطلة؟.. وما حكم صحة عقود الزواج التي تمّت قبل ظهور الأئمة: مالك (93-179ه) والشافعي (150-204ه) وأحمد بن حنبل (164-241ه) الذين يشترطون الولي في صحة عقد الزواج؟.. مع ملاحظة أنّ الإمام أبوحنيفة أسبق في الظهور من المذاهب الثلاثة الأخرى (80-150ه(وأعطى للمرأة البالغة الرشيدة حق تزويج نفسها، استنادًا على قوله تعالى: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غيرُه)، ففِعْلُ الطلاق البائن قام به الزوج، ولكن فعل الزواج بغيره تقوم به مطلقته، بمعنى أن تزوج نفسها، فلم يقل جل شأنه: (حتى تُنْكح زوجًا غيره)، بمعنى أن يقوم وليها بتزويجها من غيره، وإنّما قال (حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غيرُه)، أي هي التي تقوم بفعل تزويج نفسها، والطلاق البائن والرجعي الواردان في الآية وصفهما الخالق جل شأنه بِ:(وتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). بينما اشترط الشافعية والمالكية والحنابلة وجوب وجود الولي في عقد النكاح، استنادًا على حديث: «لا نكاح إلّا بولي».. ونجد الذين أخذوا بحديث «لا نكاح إلّا بولي»، اختلفوا في وجوب الولي، فمنهم من قال انعقاد النكاح موقوف على إجازة الولي، وهي الرواية المشهورة عن محمد بن الحسن، ورواية عن أبي يوسف، وفي مذهب أبي ثور إنْ أذن لها وليّها صح توليها عقد النكاح، وإن لم يأذن لها فلا يصح.. وهناك من اشترط الولاية في النكاح على البكر دون الثيِّب، فإن كانت بكرًا فلا نكاح لها إلّا بولي، وإن كانت ثيبًا صح لها أن تتولى أمر نكاحها، وهو مذهب داود الظاهري.. وهذا دليل على أنّ الذين أخذوا بهذا الحديث غير مقتنعين بصحته، فالحديث لم يستثنِ الثيب من شرط الولي، هو جاء بالعموم: «لا نكاح إلّا بولي»، ولم يقل: «لا نكاح للبكر إلّا بولي»، كما لم يقل: «لا نكاح إلّا بولي إن لم يأذن الولي للمرأة بالزواج».. ولو كان الحديث صحيحًا لأخذ به الإمام أبوحنيفة. كل هذا يؤكد عدم صحة حديث «لا نكاح إلّا بولي»، لتعارضه مع الآيتيْن الكريمتيْن السابق ذكرهما، والسنة الصحيحة لا تُعارض القرآن الكريم، فالحديث الذي يُعارض القرآن لا يُؤخذ به لعدم صحته. كما يُعارض حديث «الأيم أحق بنفسها»، ويترجح حديث الأيم لقوة سنده، أمّا حديث «لا نكاح إلّا بولي» فمختلف في وصله وإرساله، ولي وقفة عنده.. (وللحديث صلة).