عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن زوارات القبور) وفي الباب عن ابن عباس، وحسان بن ثابت هذا حديث حسن صحيح وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء، وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن. قوله صلى الله عليه وسلم (لعن زوارات القبور) قال القارئ لعل المراد كثيرات الزيارة، وقال القرطبي هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك فقد يقال إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء، قال الشوكاني في النيل وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة، وقال الإمام ابن باز عن هذه المسألة اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور بعدما أجمعوا على سنيتها للرجال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن زيارة القبور في أول الإسلام خشية الفتنة بالقبور، لأن الجاهلية كانت تعظم القبور، وربما عبدت بعض المقبورين من دون الله، فنهاهم عن زيارة القبور حماية للتوحيد وسدًا لذرائع الشرك، ثم أذن في الزيارة، قال عليه الصلاة والسلام كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة، وفي لفظ تذكركم الموت. الاختلاف بين العلماء فيه رحمة للناس، ولابد منه في بعض المسائل الفرعية، فقد كان موجودًا في عهد الصحابة ومن بعدهم، بسبب اختلاف الفهم، وبسبب خفاء الأدلة على بعض أهل العلم، فلهذا يقع بعض الخلاف، فإن بعض أهل العلم قد يبلغه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لا يبلغ الآخر، وكذلك قد يفهم من الآية ومن الحديث فهمًا لم يفهمه الآخر في بعض المسائل، يقول الشيخ عثمان الخميس عن هذه المسألة الخلافية إذا التزمت المرأة الصبر ولم تظهر جزعًا فإنه يجوز لها ذلك، لقول السيدة عائشة عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم ماذا أقول عندما أزور المقابر فعلمها الدعاء المأثور في زيارة المقابر للرجال والنساء، وهذا يظهر عدم المنع لزيارة النساء المقابر. يقول أهل العلم والفقه أنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه فقط، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى، وأهله أعلم.