يمر الإنسان بتغييرات عديدة خلال مراحل حياته، وإن كانت رغبته الدائمة في التغيير للأفضل إلا أن بعض التغييرات تكون قسرية وتكون سبباً بالتالي في تغييرات كثيرة على مستوى الفرد.. ومن أهم مظاهر التغيير هي تلك التي تظهر في سلوكه وتفكيره ومن ثَم عاداته. وإن كانت التغييرات عادةً تدريجية وتراكمية أو ربما مدروسة وعلى فترات، فقد وجدنا أنفسَنا أمام تغييرات ربما شملت كل مناحي الحياة، حدثت فجاةً هكذا وبدون مقدمات وبأسباب غير مرئية وإن كانت آثارُها مشهودة. لم تعُد مقولة سقراط (تكلّم حتى أراك) دقيقةً بما يكفي، فقد تكلم كورونا ولم نرَه، وزار ولم نَدْعُه، وحَلَّ وإن لم تُفتح له الأبواب، وقد كان كلامُهُ موجعاً ونبرتُهُ صارخةً، كانت زيارتُهُ ثقيلةً فرضت الكثير من التغييرات على مستوى العالم قبل الفرد. كنا نؤمن بمقولة (لكي تغير العالم عليك أن تبدأ بنفسِك) وجاء كورونا ليقول لقد غيرت العالم فعليك أن تتغير، وأربكت المجتمع لِتنظم نفسك. جاء ليذكّرنا أن الحضارة البشرية والتقدم التكنولوجي والتطور العلمي جميعها أضعف من أصغرِ جند الله وأن من بات آمناً في سربِهِ معافىً في بدنِه فكأنما حِيزت له الدنيا. جاء بعد أن أقعدنا في بيوتنا لنستشعر كم نملك من الوقت الذي نشكو دوماً من قِلّتِه بينما نضيّعُه أحياناً كثيرة فيما لا ينفع. رأينا وجوهًا لأشياء لم نكن نعرف لها وجهًا، من تلاحم الإنسانية الذي فرضته القوةُ القاهرة، ورأينا قيمة الفرد خشيةً منه، ورأينا قيمة الوعي بعد أن سادت الفوضى. رأينا كيف أصبح حب الذات جزءاً من الانتماء حين تتّبِعُ وسائلَ الوقاية لئلا تكون عرضة للفيروس أو مصدراً لِنَشرِهِ في مجتمعك والعالم. ولم يعد الموتُ مع الناسِ رحمةً كما يُقال، بل أصبحت الرحمةُ أن تعيشَ وحيدًا.