من الأمور التي تتكرر في الحياة اليومية تردد الشكوى بين الناس من سيطرة بعض العادات أو التقاليد التي لا يرون فيها صوابا ولا يلمسون لها حاجة، لكنهم يجدون أنفسهم مرغمين على اتباعها والإذعان لها. فهم يشعرون أن لتلك العادات والتقاليد سلطة قوية عليهم لا يمكنهم الفكاك منها أو الخروج عليها، ويعترفون أن خضوعهم لها خضوع المجبر وليس الراغب المحب. وسلطة العادات والتقاليد قد لا تقل عن سلطة القوانين والأنظمة الرسمية التي تسن للحفاظ على النظام في المجتمع وحفظه من الفوضى والفساد. وكما أن الناس يلتزمون مرغمين في كثير من الأحيان بالقوانين والأنظمة الرسمية المفروضة عليهم، هم كذلك يلتزمون مرغمين في بعض الأحيان ببعض العادات والتقاليد. وعندما يكون الالتزام واقعا بفعل السلطة، سواء كانت سلطة رسمية أم سلطة عرفية اجتماعية، فإنه لا فضل للملتزم، لأن التزامه ناتج عن الخوف والضعف وليس عن إيمان بمبدأ ما أو رعاية لمصلحة عامة، ولهذا فإنه في بعض الأحيان، عندما تحين فرصة في مخالفة النظام المفروض أو الهرب من تقليد متبع أو عادة ملزمة، فإن الناس لا يتوانون عن انتهاز تلك الفرصة ليريحوا أنفسهم من عبء الالتزام الثقيل. وهي طبيعة بشرية عرفها الناس منذ أن وجدوا في هذا العالم. تنقل كتب التاريخ كيف أن سقراط عندما حكم عليه بالموت جاء إليه طلبته المخلصون وأبدوا استعدادهم لتهريبه لينجو بحياته من الموت، فقابل طلبهم بالرفض، ذاك أن سقراط كان يؤمن بضرورة الالتزام بالقانون وطاعته حتى وإن لم يكن صحيحا، وأن على المواطن الصالح أن يطيعه ويخضع له إلى أن يتم تغييره واسبتداله. وهذا الرأي من سقراط يبدو فيه شبه لما يجري بين الناس في طاعتهم للعادات والتقاليد أو العرف، فكثير منهم يقرون أن بين ما يلتزمون به من عادات أو تقاليد ما هو ضال وبين الخطأ، لكنهم مع ذلك يشعرون بأهمية الالتزام به طالما أنه يفرض وجوده في وسط الناس. وإذا كان التشابه واضحا بين ما يقوله سقراط وما يفعله عامة الناس، إلا أن الأهداف مختلفة تماما. فسقراط حين يرى ذلك الرأي فإنما هو يسعى إلى تجنيب المجتمع الفوضى والفساد عندما لا يحترم القانون ويجرؤ الناس على شقه وعصيانه، هو يهدف إلى دفع ضرر كبير مقابل ضرر أقل يقع على الفرد عند الالتزام بقانون غير صالح، فضلا عن أن طاعة القانون لا تعني عنده تقديس القانون حتى وإن كان فاسدا، ولا تحول دون انتقاده والمطالبة بتغييره. لكن عامة الناس في اتباعهم للعادات والتقاليد لا يهدفون إلى شيء من ذلك، وإنما كل همهم السلامة من التعرض للنقد أو الوقوع في المذمة إن هم خرجوا عن الفلك وأبوا الدوران ضمنه. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة