اجتاحت العالم منذ بدء الخليقة وحتَى يومنا هذا العديد من الأوبئة الفتَّاكة التي حصدت أرواح الملايين من البشر، الأمر الذي حفز علماء الطب والوقاية لدراسة مسبِّباتها وإنتاج عقار يحدُّ من انتشارها والقضاء عليها. كانت -على سبيل المثال- فيروسات الجدري والكوليرا والإنفلونزا في القرنين التاسع عشر والعشرين على أولويَّات قائمة البحوث والدراسات.. وفعلًا تمكَّن العلماء من انتاج لقاحات ناجعة قضت على عدد منها، والجدري خاصَّة.. وهاهم في مختبراتهم يجرون الأبحاث لمواجهة عدد من الفيروسات المعدية وأخطرها هذه الأيَّام فيروس الكورونا الذي اخترق الحدود الإقليميَّة والدوليَّة وشلَّ حركة النقل والاختلاط والسفر، وفتح الأبواب على مصاريعها للإشاعات وتضخيم الأحداث.. واعتبرها لفيف من الدعاة إلى الله عقاباً منه تعالى لبُعد عباده عن جوهر الدين... وزعم فريق من الخبراء والسياسيِّين والمحلِّلين العسكريِّين أنَّها (حرب بيولوجيَة) بين الغرب الأمريكي والشرق الصيني.. أمَّا عند الغالبيَّة من العامَّة، فهي فيروس من إنتاج المخابر المتوقَّع أن تنتج له لقاحًا ناجعًا لتجني منه الدول المصنعة أموالًا لا حصر لها!. مع أنَّ هذا الفيروس اللعين، بغض النظر عن مسبّباته، قد أنعش سوق المعالجين بالطب البديل، وتصريف أدويته المعتمدة على الأعشاب وبذور العديد من النباتات، ممَّا أعاد للعطارين ما كان لهم من مكانة ومنافسة للأطبَّاء والصيادلة.. وهكذا بقدرة عطَّارٍ، استحوذ اليانسون والليمون والزنجبيل مع الماء الحار على المكانة الأولى في مواقع التواصل الاجتماعي للوصفات الطبيَّة البديلة بغضِّ النظر عن مصداقيتها في علاج الكورونا، أو مسبَّبات انتشاره وطرق الوقاية من عدواه مما أثار الخوف والفزع... خاصَّة ونحن في النصف الشمالي من كوكب الأرض، نعيش فصل الشتاء الذي كثيرًا ما نتعرَّض فيه لهجمات البرد، بداية بالسعال والعطس وارتفاع درجات الحرارة لأسبوع كامل في أفضل الحالات، وقد يطول عدَّة أسابيع.. وتأتي أعراض البرد هذه متقاربة مع ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي عن علامات الإصابة بفيروس الكورونا، فيكثر الخوف والهلع عند الكثيرين، وتزداد الاحتياطات الوقائيَّة من هجمات الكورونا.. تغلق بعض الدول مدارسها لأسابيع، وتلغى العديد من المؤتمرات والاجتماعات، وكأنَّ يوم القيامة قريب جدًّا. ويتساءل كثيرون عمَّن يؤجِّج نيران الخوف والهلع التي نكتوي بلهيبها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟، تساؤل قد نجد الإجابة عنه فور أن ينزل إلى الأسواق اللقاح القاضي على هذا الفيروس اللعين، وإنا لمنتظرون.