لم يكن مختلفًا عن جيله بل كان كغيره ابن العائلة البسيطة والقرية التي تهتم بتفاصيل سكانها وتشكل الملامح النفسية والاجتماعية والتعليمية لأبنائها، يعيش أهلها وفق منظومة اجتماعية معينة تحترم الإنسانية والخصوصية والعادات والتقاليد، يُربى أبناؤها وفق إطار اجتماعي معين يهتم بالأمور الدينية والمجتمعية والحث على العمل والجد والاجتهاد. أحد أطفال هذه القرية سلك طريقًا مختلفًا، نشأ وتعلم أهم معاني الحياة داخل قريته وكرس والداه داخله حب العمل، ثم انتقل ليكمل مسيرة النماء بعيدًا عن أحضان وحنان الأم، وبعيدًا عن عطف الأب، تاركًا البكيرية وأهلها وجمال مزارعها، هائمًا في طلب العلم ليستقر بمدينة الرياض وتبدأ أهم مراحل حياته، بدأت مسيرة الجد والاجتهاد، التحق بمدرسة المثنى بن حارثة الابتدائية، بمعهد الرياض العلمي، وبدأ طالبًا في طلب العلم وقلبه معلق بالبكيرية وأهلها، وطبيعة الحياة هناك، لكن جمال المدينة وحياته الجديدة، وانشغال فكره بالقرية، لم تلهه عن الهدف السامي، كان الطموح والتحدي هو الشغل الشغال لعقله، أراد أن يكون القرآن الكريم خلقه الفاعل، أراد أن يكون خلقه خلق القرآن الكريم، أراد أن يلبس تاج الوقار ويكسى والداه حلتين، أرد أن يكون من أهل العلم، أراد أن يخدم الدين والملك والوطن، فما لكل مجتهدٍ إلا النصيب المحقق، وبتوفيق الله كان هذا الاجتهاد أن حفظ هذا الناشئ القرآن الكريم كاملاً وهو لم يبلغ من العمر اثني عشر سنة، وتدرج في ذلك وتطايرت روحانية التلاوة إلى أن أصبح أحد أشهر مرتلي القرآن الكريم في العالم، بل وخطيبًا مُفوّهًا، وقائدًا متمكنًا يعشق الصعاب والتحدي، لا يقبل إلا بالعمل المتميز شخصيًا ومؤسسيًا، يدعم الشباب ويسعى إلى تمكينهم، يصنع القادة يخطط ثم يدقق ثم يتابع ويحصد نتائج مميزة. كان عاشقًا للعلم وأهله فعشقه العلم والنجاح، عشق التواضع وحب الناس فعشقه الناس إنسانًا وقارئًا وإمامًا وخطيبًا ومعلمًا وقائدًا، أحب الناس معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس والذي يعمل من عام 1433ه إلى الآن رئيسًا عامًا لشؤون الحرمين، فمنذ توليه عمل على كافة المجالات وكان أهمها تطوير النظام الإداري والمالي وتحويله إلى النظام الإلكتروني، وتصحيح أوضاع الموظفين والموظفات، شهد العمل الإداري قفزات مميزة ولعل آخرها ما تم، بإنشاء عدد من الوكالات والإدارات الجديدة والتي ركزت على إدارة القياس والتقويم وضبط الجودة، والأبحاث والدراسات التطويرية، والتخطيط والمتابعة، والتوجيه والإرشاد، والأمن الفكري، ونشر منهج الوسطية والاعتدال، وثقافة التطوع، والاهتمام بالترجمة ونشر الدروس العلمية وتوثيقها وإيصال رسالة الحرمين الشريفين بعدة طرق من خلال وسائل الإعلام المتعددة، ولتميز الرئاسة في دور الترجمة والنشر كلفت بترجمة خطبة يوم عرفة وبثها لجميع المسلمين في جميع أرجاء المعمورة، والاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن، وكان للرئاسة العامة تواجد متميز في وسائل التواصل الجديدة من خلال إطلاقها عدد من التطبيقات على أجهزة الجوال، وعدد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويدعم هذه الأعمال إدارة متخصصة لاستقطاب الكوادر المؤهلة، وجاءت الهيكلة الجديدة لتوافق أعمال الرئاسة رؤية المملكة 2030، وتعتبر الرئاسة من أفضل المؤسسات الحكومية التي تطبق العمل المؤسسي، ومن أول الجهات الحكومية التي شرعت في تحويل أعمالها إلى العمل الإلكتروني لتصبح مؤسسة بلا ورق. يعد السديس قياديًا فريدًا في عمله يولي كل تخصص اهتمامًا خاصًا، ولا يوجد عمل إلا ويترك بصمته فيه بتوجيهات نيرة ومتابعة دقيقة.