التقنية والمنهج العلمي في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف فإن القرآن العظيم بحر زاخر لا تكدره مغارف ناهليه، ولا ينضُب معينه من كثرة وارديه، كتابٌ شرَّف به هذه الأمة، ورفع مكانتها بين أمم الأرض الأنبياء: ١٠ وأكرم تعالى من أخذه وعمل بما فيه، بأن جعله من أهل الله وخاصته، فهو محلُّ رعاية الباري جلَّ في علاه وإكرامِه وحفظِه وكلاءَتَه. وقد اعتنت أُمَّة الإسلام بالقرآن الكريم منذ فجر تاريخها، إذ عُني به الصحب الكرام رضوان الله عليهم حفظاً وفهماً وعملاً ونشراً له في الآفاق. واحتفل به المسلمون من بعدهم بشكل فائق، كانت تلك العناية وما تزال محلَّ فخر واعتزاز الأمم كلِّها. وكان من نعم الله على المملكة العربية السعودية أن جعلها مهبط الوحي، ومنبع الرسالة الخاتمة، وشرَّفها بأفضل البقاع : مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة حيث مسجدُ خير الأنام عليه الصلاة والسلام. ومن كمال منته تعالى أن قيض لها ولاة أمر أدركوا ما عليهم من واجبات، فأقاموا شرع الله، وحكَّموا كتابه المنير، وجعلوه هادياً ودليلاً منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- إلى عهد خادم الخرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله- . فصارت هذه الدولة مَضْرِبَ المثل في أمنها ورخائها واستقرارها ومكانتها في العالم، وغَدتْ قدوةً يُحتذَى بها في عنايتها واهتمامها بالقرآن العظيم، والسنة النبوية. إن نهج المملكة العربية السعودية الفريد في الاهتمام بكتاب الله تعالى لجدير بالتنويه والذِّكْر؛ إذ اتخذت اتجاهات شتى، فمن ذلك: 1-جَعْلُ القرآن الكريم والسنة النبوية أساساً لشؤون الحكم ومناحي الحياة، وهو من الوضوح بمكان للقاصي والداني. 2-توجيه العلوم والمعارف في جميع مراحل التعليم المختلفة وِجْهة إسلامية مُسْتمَدَّةً من القرآن الكريم وهدي خير العباد علية الصلاة والسلام، وفتح المدارس الخاصة بتعليم القرآن، وإنشْاء كليات ومعاهد متخصصة فيه في الجامعات. 3-إنشاء إذاعة مختصة بالقرآن الكريم ، تُبثُ الآيات المتلوة بأصوات أشهر القراء، وتقدم البرامج النافعة. 4-إنشاء أكثر من مئة وثلاث وثلاثين جمعية خيرية لتحفيظ القرآن الكريم، منتشْرة في أنحاء المملكة بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. 5-تشجيع المملكة على حفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره من خلال تنظيم المسابقات المحلية والدولية. 6-إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الذي يُعَدُّ من مفاخر المملكة العربية السعودية، وأروع مظاهر عنايتها بالقرآن الكريم من حيث طباعةُ المصحف الشريف بالقراءات المتواترة، وتسجيل تلاوته بأشهر الروايات المنتشرة في العالم الإسلامي، والاضطلاع بتفسير القرآن الكريم، والعناية بعلومه، والقيام بأعمال ترجمة معاني القرآن الكريم إلى مختلف لغات العالم وأهمها وأوسعها انتشاراً. ومن أهم سياسات المجمع في تحقيق أهدافه: 1- استمرار إصداراته المطبوعة والمرتلة بمختلف الروايات المشهورة، وبأعلى مستويات الدقة، مع ما يتطلبه ذلك من إعداد، ومراجعة علمية متواصلة ودقيقة. 2- مواصلة نشاط المجمع في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى مختلف اللغات بما يتفق مع الشرع الحنيف. 3- مواصلة إجراء الدراسات المتعلقة بتحقيق أهداف المجمع. 4- نشر إصدارات المجمع، وجهوده المختلفة على شبكة الإنترنت. 5- تطبيق أنظمة الحكومة الإلكترونية على أعمال المجمع. وقد خطا المجمع خطوات أساسية من أجل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة الإشارة؛ لتكون الأولى من نوعها في العالم، آخذاً في التقدير طبيعة الفئة المستهدفة من هذه الترجمة، وهم الصمُّ والبكم. وقد أنجز المجمع المرحلتين الأولى والثانية من تفسير معاني جزء (عمَّ)، وتَمَّ إنتاجه على أقراص رقمية (DVD)، كما أنه خصص موقعاً لهذا المشروع على شبكة الإنترنت ضمن مواقعه المتعددة عليها. ومن تلك المواقع : 1- موقع القرآن الكريم وترجمات معانيه: وهو الموقع الأساس الذي أنشْأه المجمع لخدمة القرآن الكريم وعلومه. وقد تكوَّنت لجان للإعداد للموقع واختيار موادِّه وإقرارها ومراجعتها، وشملت تفسير القرآن الكريم، وعلومه، والتجويد، والمعاجم والفهارس الخادمة له. ويحتوي الموقع على نسخة إلكترونية من المصحف الشريف برواية حفص عن عاصم بالرسم العثماني الموافق لمصحف المدينة النبوية، ويضم تسجيلاً مرتَّلاً تم ربطه بالمصحف الشريف بأصوات أربعة من كبار قراء المجمع. وحوى أيضاً ست ترجمات لمعاني القرآن الكريم، هي: الإنجليزية ، والفرنسية ، والإسبانية، والأردية، والإندونيسية، والهوسا. وصمم الموقع بحيث يتضمن هذه اللغات الست، إضافة إلى اللغة العربية. 2- موقع صور إصدارات المجمع: يتيح هذا الموقع صوراً لإصدارات المجمع من المصاحف والترجمات، مع إمكان تصفح تلك الإصدارات بشكل مطابق للنسخة الورقية. 3- موقع مجموعة الخطوط الحاسوبية: يحتوي هذا الموقع على جميع ما ينتجه المجمع من خطوط حاسوبية لنص المصحف الشريف بالرسم العثماني المطابق لمصحف المدينة النبوية، أو بالصيغة المتوافقة مع نظام الترميز الدولي. 4- موقع مكتبة الصوتيات: يحتوي الموقع على مجموعة من التسجيلات المرتلة بأصوات قراء المجمع، وتسجيلات صوتية لترجمة معاني القرآن الكريم لسورة الفاتحة وجزء (عمّ) بعدة لغات. 5- موقع مجلة البحوث والدراسات القرآنية: يعرض الموقع نسخاً إلكترونية لجميع أعداد المجلة النصف السنوية التي يصدرها المجمع بقسميها العربي والإنجليزي. وهناك عدة مواقع يجري الإعداد لتنفيذها، منها: موقع ندوات مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف: وسيتم إدراج نسخ إلكترونية نصية لبحوث الندوات التي عقدها المجمع، وهي: ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه. ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية. ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل. ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية. ندوة القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة، تقنية المعلومات. موقع خدمة الاستماع إلى القرآن الكريم لذوي الإعاقة البصرية. وقد واكب مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف التطور التقني الهائل الذي يشهده العالم في شتى الصُّعُد والمجالات، وعُني بمتابعة ما يستجدُّ من تسارع كبير في هذا المجال، واهتم بتوظيف التقنية المعاصرة في أعماله، وبرامجه، وإصداراته. وتجاوز مرحلة الإصدارات الورقية، إذ أصبحت النسخ الإلكترونية متاحة مع النسخ الورقية، ووُضِعَ لخطة الإنتاج تصورٌ واضح سيتم تطبيقه بصورة تدريجية ليشمل الإصدارات الورقية كافة. ويولي المجمع اهتماماً خاصاً بأهمية الاستفادة من التقنية الحديثة، وتطويعها في خدمة أهدافه على المستويين: الداخلي الذي يختص بالتجهيزات والأنظمة التي تستخدم في أغراض التحضير والطباعة. والخارجي: المتمثل بالمنتج النهائي الذي يستفيد منه عامة الناس. ومن أهم الجهود التقنية والبرامج التي سعى المجمع إلى تحقيقها ما يلي: 1- بناء أداة برمجية حاسوبية تقوم بتدقيق الملفات الإلكترونية التي تحتوي على صفحات المصحف، وموازنتها مع أصولها إلكترونياً قبل تحويل الملفات إلى مرحلة الطباعة. 2- أداة حاسوبية برمجية تقوم بالتعرف الآلي على أشكال ومكوِّنات النص القرآني في مصحف المدينة النبوية. 3- بناء مجموعة من قواعد البيانات اللازمة للمصحف الشريف، روعي فيها استيعاب مختلف الأشكال ومكونات النص القرآني لكل رواية من روايات المصحف الشريف. 4- إنتاج خطوط حاسوبية لنص مصحف المدينة النبوية على نحو مطابق لخط الخطاط، أو للترميز الدولي (unicode). 5- بناء أدوات مساعدة وبرمجيات حاسوبية، مثل: - أداة إدراج نص القرآن الكريم داخل وثيقة مايكروسوفت وورد. - إعداد المواصفات القياسية الموحدة لنص المصحف الشريف بمختلف رواياته وترجمات معانيه بصيغة XML. - خدمة التحقق الآلي من صحة نصوص أيات مصحف المدينة النبوية المعدَّة بصيغة (unicode). - خدمة التوثق من مصدر صور إصدارات المجمع. 6- مصحف المدينة النبوية للحاسوب الكفي: وهو برنامج حاسوبي مخصص لأجهزة حواسيب الجيب. 7- مصحف المدينة النبوية: خِدْمات حاسوبية للقرآن الكريم وعلومه، وهو موسوعة إلكترونية متكاملة تضاهي في خدمتها موقع المجمع على الشبكة العنكبوتية. 8- مصحف المدينة النبوية للنشر الحاسوبي: وهو أداة حاسوبية متميزة ومدققة، تمكن المستخدم من الاستشهاد بالآيات القرآنية وَفْق رواية حفص في برامج النشر المكتبي. كلُّ هذه النماذج المشار إليها نموذج شاخص لاهتمام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالتقنيات المعاصرة، وتوظيفها في خدمة أهدافه، وبرامجه، وسياساته. ويأمل المجمع في هذا الصدد أن يتمخص عن ندوة القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة رؤى جديدة، وطروحات هادفة تحقق الأهداف التي عقدت من أجلها، وتبيَّن أهمية تقنية المعلومات في تيسير تعلُّم القرآن وتعليمه، وخدمته، وإيصال رسالته إلى كافة الفئات المجتمعية. د. محمد العوفي * الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف رئيس اللجنة التحضيرية للندوة