أضفى الموقع والتكوين والشواهد المنقوشة على صخوره تفردًا ل"جبل السفينة" جنوب غرب مدينة تبوك، مكتسبًا التسمية من تفاصيله، التي تبدو للناظر من بعيد على هيئة سفينة رأسية في الصحراء. ويتوسط "جبل السفينة" صحراء حِسمى الحاضرة في سجل التاريخ فمنذ الأزل كانت محطة على طريق التجارة القديم من وإلى جزيرة العرب ومرت بها القوافل والركبان على امتداد الحضارات الإنسانية المتتالية، وهذا ما يفسر تنوع وكثرة النقوش الأثرية على صخور الجبل، في حين تردد ذكر حِسمى في الشعر الجاهلي والإسلامي. ويصف المؤرخون "جبل السفينة" بالمدونة الزاخرة بالنقوش الثمودية، التي تعود لأكثر من 2600 عام كذلك الكتابات العربية لفترة ما قبل الإسلام وبعده في زمن مبكر، مرورًا بالعصور الإسلامية المتلاحقة، فلا يكاد يخلو جزء من الجبل إلا ونقش الثموديون والعرب القدماء دلائلهم عليه، كذلك جمل كتبها أصحابها بالخط الكوفي الأول بدون تنقيط في القرن الأول للهجرة كنوع من التوثيق رحلاتهم وأحوالهم. ومن العبارات ما نقشه أحدهم (اللهم اغفر لمحمد بن إبراهيم بن نافع مولى أبو هريرة ذنبه العظيم).. مؤرخة في سنة عشرين ومئة، ونقش آخر (أنا عمر بن سويد أوصي كل ذي علم أن ينفع بعلمه). وكثيرةً هي الكتابات والنقوش، التي تدل على ما يضمه هذا الجبل من إرث تاريخي ذي أهمية للباحثين في أسبار التاريخ وتطور اللغة العربية، وكان في الموقع السبق في اكتشاف بعض النقوش العربية عرفت فيما بعد باللهجة الحسمائية وهي لهجة عربية شبيهة باللهجة النبطية وتعد أول كتابة عربية ترتبط فيها الحروف ببعضها كما الخط الكوفي، ويشبه الحرف الحسمائي الحرف الصفائي إلا أنه متميز عنه بموقعه وتاريخه. وتحمل تلك الشواهد الموغلة في القدم إرثًا يستنطق جانبًا من تاريخ جزيرة العرب ولغتها الخالدة.