سلّم رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي استقالته رسمياً إلى مجلس النواب العراقي تحت ضغط الاحتجاجات المستمرة في الشارع العراقي، واستجابة لطلب المرجعية الدينية تفادياً لانزلاق العراق إلى دوامة العنف، وبذلك نجح المتظاهرون في قطف ثمرة حصاد موقفهم الذي ناضلوا من أجله، ويبدو أنهم ماضون في إسقاط البرلمان أيضاً، ومواصلة الاحتجاجات حتى يتم تنفيذ كافة مطالبهم، وبات معروفاً لدى رئيس الجمهورية أنه يجب على الحكومة القادمة أن تستمد شرعيتها من المتظاهرين الذين أعلنوا بأنهم لن يُصوِّتوا على أي رئيس قادم من الأحزاب، وهي مهمة صعبة قد تطيل من أمد الأزمة، لاسيما وأن الدستور قد حدّد بأن الكتلة الأكبر في البرلمان هي مَن تُرشِّح رئيس الوزراء، وعليه فإن رئيس الحكومة في هذه الحالة لابد أن يكون شيعياً، كما أنه لابد له بأن يحظى بتوافق مِن قِبَل السنة والأكراد. اختيار رئيس الحكومة يمر بمسائل مُعقَّدة، ومن الصعب أن يجري الاتفاق عليه، ومن ثم تسميته في ظرف 15 يوماً كما ينص الدستور، فتجربة الترشيحات التي تمّت في الأعوام 2010 و2014 و2018 تُؤكِّد ما ذهبنا إليه، أول العوائق هو رفض كتلة (سائرون) تقديم مرشّحها لرئاسة الحكومة، وهي الكتلة المناط بها الترشيح بصفتها أكبر الكتل النيابية، وهذا يفتح الباب أمام كتلة (الفتح) أو كتلة (القانون) اللتين تدّعي كل منهما بأنها الأكبر لترشيح مَن تراه، إلا أن كل هذا يصطدم مع رغبة المتظاهرين الذين يُنادون بعدم تعيين رئيس الحكومة من قِبَل الكُتل، ويتوافق مطلبهم مع المطلب الذي تقدَّم به بعض النواب الذين طلبوا من رئاسة المجلس بأن يكون رئيس الوزراء شخصية وطنية مستقلة، ولم يسبق له أن تسلَّم أي منصب حكومي أو نيابي منذ 2013، على أن يحظى بقبول المتظاهرين، وما يزيد الأمر تعقيداً أكثر فأكثر، هو تقديم كتلتا (الإصلاح) و(البناء) خطابين منفصلين لرئيس الجمهورية، تدّعي فيه كل كتلة منهما أنها الأكبر. ومع كل هذه التعقيدات التي يُواجهها العراقيون حكومةً وشعباً، يظهر «قاسم سليماني» مرَّة أخرى ويجتمع بقياداتٍ سياسية وبعض الشخصيات الموالية للنظام الإيراني، بهدف التخطيط لمرحلةٍ ما بعد «عبدالمهدي»، لاختيار البديل الذي سيخلفه، وتتفق رؤاه مع سياسة إيران، ويبدو أن هذه المرَّة سيكون من الصعب على إيران أن تنجح في مسعاها، فالحراك قال (لا لإيران)، وأحرق علمها وقنصليتها في النجف لمرتين، وأفشل نظرية (أن الرابط المذهبي يتفوَّق على الرابط القومي والوطني)، وأصبح الشعب العراقي بكل أطيافه يتطلع إلى عراقٍ جديد، يتفيّأون بظلال أمنه بعيداً عن المذهبية.