قد تتحول أي علامات ظاهرة على تدخل قوى خارجية، بصورة مباشرة، أو ملحوظة، في الاضطرابات الجارية بإيران، إلى طوق نجاة للنظام الإيراني الذي يراهن على قدرته على اجتياز الأزمة الراهنة، كذلك فإن التلويح بعمل عسكري مباشر ضد طهران، وسط اضطرابات اجتماعية واسعة، قد لا يقود سوى إلى لملمة المشهد السياسي الإيراني، وإعطاء الملالي قبلة الحياة. لا تثور شعوب الحضارات القديمة، إلا نادراً، فلدى أغلبها ثقة تستمدها من التاريخ، بأن الشعوب تبقى، وأن ما عداها يزول، ولدى شعوب الحضارات القديمة، ومن بينها إيران بالطبع، حالة تحسس مفرطة تجاه التدخل الخارجي، لا تدع فرصة لغير العوامل الذاتية للثورة، إن وقعت. حالة الاحتشاد الأمريكي المتدرج تجاه إيران، قد لا تعجل إذن باتجاه تحفيز الإيرانيين على تغيير نظام الملالي، بقدر ما تُوفِّر الذرائع الداخلية لمرشد الثورة علي خامنئي، لتوجيه ضربات قاصمة لقوى الغضب التي اجتاحت مختلف المناطق والمدن في إيران، ولعل هذا يُفسِّر، العلاقة العكسية بين ارتفاع أعداد من قتلتهم السلطات الإيرانية في الاضطرابات الجارية، وبين تراجع إيقاع التظاهرات الغاضبة، الذي اعتبره روحاني دليلاً (مبكراً) على انتصار الحكم!. يحتاج الرئيس الأمريكي ترمب، إلى أزمة خارجية كبرى، محمَّلة بالوعود والمخاطر، تُعينه على حشد الرأي العام الأمريكي خلفه، فيما يُواجه تهديدات داخلية جادة بالعزل على خلفية قضية تتحدث عن ابتزاز الرئيس الأوكراني، لحمله على التحقيق مع رجل الأعمال الأمريكي هانتر ابن المرشح الديموقراطي المحتمل جو بايدن بتهمٍ تتعلق بالفساد، ويتيح السلوك الإيراني العنيد، فرص توفير تلك الأزمة لدونالد ترمب، لكن ثمة ما يُرجِّح، ألا ينفلت التأزيم المحسوب من الجانبين الأمريكي (ترمب) والإيراني (خامنئي) إلى طور انفجار لا تخضع توابعه لحسابات مسبقة. التصعيد المرجَّح على الجانبين، قد يُحقِّق بعض المكاسب الآنية، لكل من ترمب الذي يحتاج إلى قنبلة دخان تتيح له اجتياز محنة المحاكمة أمام الكونجرس، على خلفية قضية أوكرانيا، وخامنئي الذي يحتاج إلى تهديد خارجي مباشر يُعينه على لملمة شتات أمة حملتها الضغوط الحياتية المتزايدة إلى المخاطرة بمواجهة الحرس الثوري في الساحات والأزقة. الذهاب بالتمني، إلى نقطة استشراف سقوط نظام الملالي في طهران، يبدو أمرًا غير عملي، وغير محسوب، لكن المشهد مع ذلك ربما بدا محمّلاً بفرص، لتحجيم الانتشار الإيراني في الإقليم، وللجم برامج التسلّح الإيرانية، التي تُوفِّر لها الأزمات الحادة مبررات الاستمرار. ثلاثة ملفات رئيسة، هي محور الاهتمام الدولي والإقليمي فيما يتعلق بإيران، أولها هو ملف برنامج طهران النووي، وثانيها، هو برنامجها الصاروخي، وثالثها، هو طموحاتها الإقليمية، وحضورها المباشر، وغير المباشر في لبنان وسوريا واليمن والعراق. دولياً، فإن المطلوب أولاً هو كبح الطموح النووي الإيراني، بما يكفي من ضمانات استمراره في إطار الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. لكن لجم الطموح النووي الإيراني، دون وضع قيود كافية على برنامج طهران الصاروخي، يتيح لإيران امتلاك قدرات كافية لابتزاز محيطها الإقليمي، أما انتشار إيران الإقليمي عبر أذرعتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فينبغي أن يتوقَّف، سواء بتدخل مباشر من الولاياتالمتحدة والقوى الكبرى المؤثرة في الإقليم، (روسيا بصفةٍ خاصة)، أو بالاستجابة الطبيعية لتطلعات الشعوب في لبنانوالعراق وسوريا واليمن. يميل الرئيس الأمريكي، إلى التلويح بالقوة بديلاً عن استخدامها، بل إنه بادر في حالات مماثلة، إلى سحب قواته من مناطق صراعات دائرة أو محتملة، ولهذا فإن عمليات تعزيز انتشار القوات الأمريكية قرب المسرح الإيراني أو الإقليمي، قد لا تتجاوز حدود التلويح باستخدام القوة، الذي تحتاج إليه إدارة ترمب لأسبابٍ داخلية بشكل أساسي، والتي يستفيد منها النظام في إيران لأسبابٍ داخلية أيضاً، للملمة جبهته الداخلية، وإقناع جماهيره في الداخل بأن ثمة تهديدات خارجية تقتضي التفاف الشعب خلف قيادته. الحراك في إيران لن ينتهي على الأغلب بثورة، والتحرك الأمريكي في الخليج لن ينتهي على الأرجح بحرب. استعدوا بالشطائر للجلوس أمام شاشات التلفزة، لكن لا تتوقعوا مشاهد ساخنة، فالدراما المقبلة مسموح بها لمن هم (+ 12).