بعد حقبة الرّاحل الكبير الأمير فيصل بن فهد -يرحمه الله- انحسر وجود المملكة في عضويات مجالس ومواقع القرار في الهيئات الرياضية والشبابية الدولية مثل اللّجنة الأولمبية الدولية، مكتب لفيفا التّنفيذي، وفي غيرها من مجالس الرياضات الأولمبية والنوعية الدولية والقاريّة وهو أمر لا يستقيم مع حجم وتأثير المملكة الدولي اقتصاديًا وسياسيًا. وتأثير مرحلة الامير فيصل في هذه المنظمات سجّله التاريخ للمملكة وبقوة من خلال مناصب إدارية وفنية شغلتها اذ ذاك قيادات سعودية في هيئات ومجالس ولجان الرياضة العالمية. فقد كانت المملكة عضوًا مؤثرًا في سياسة وقرارات هذه الهيئات، وكان الأمير فيصل بن فهد -يرحمه الله- أول قيادي سعودي يصل لأعلى منصب رياضي عالمي بعضويته في مجلس اللّجنة الأولمبيّة الدّوليّة، ثم جاء من بعده لشغل ذات المقعد طيّب الذّكر الأمير النّبيل نوّاف بن فيصل بن فهد. وفي دوائر الاتحاد الدّولي لكرة القدم نذكر بكل تقدير الأستاذين الراحلين عبدالله الدبل، وعثمان السعد -رحمهما الله-، اللذين شغلا منصب عضوية اللّجنة التنفذية في الفيفا، كما نذكر الدكتور صالح بن ناصر -متّعه الله بالصّحة- الذي شغل عضو مجلس التسويق والنقل التلفزيوني وعضو لجنة المراسم بالفيفا، ولا يزال يحتفظ بمناصبه القيادية في الاتحادين الآسيوي والدولي للطائرة. وعلى مستوى عضويات مجالس ولجان الاتحادات العالمية والقاريّة والعربية تطول القائمة، فقد كان لنا وجودنا في هذه المنظمات. والسؤال الذي يتبادر الى أذهان المهتمين بالشأن الرياضي هو لماذا انحسرت حظوظنا، وتراجع وجودنا في عضويات هيئات الرّياضة والشّباب الدوليّة، وغبنا عن مراكز صناعة القرار فيها؟ لماذا جفّ النّبع؟ أي مبرر لهذا الانحسار؟ أين المشكلة؟ إن عضوية بلادنا في الهيئات الرياضية الدولية تمنحها حق التنافس على المناصب الادارية والفنية بها لكسب الخبرة والتجربة ومما يدعم ذلك أن قيادتنا تشجع وجود صوت المملكة عاليًا وعلمها خفاقًا في المحافل الدولية وعلى وجه الخصوص الشبابية منها ليتناغم مع حجمها وموقعها السياسي والاقتصادي في العالم، ويتماشى مع رؤية 2030 التّي تسعى لتمكين الشباب وفق خطط وبرامج زمنية. والسباق الى مراكز القرار الرياضي والشبابي الأممي يجب أن يكون أحد أهدافنا باعتبار أن بلادنا عضو في اللّجنة الأولمبيّة الدّوليّة، وموقعة على ميثاقها، ومطبّقة لقوانينها، وملتزمة بقرارات محكمتها، وعضو في الاتّحادات الرّياضية الأولمبية والنّوعيّة المنضوية تحت ادارتها. نقول هذا بمناسبة فوز الأمير نوّاف بن محمّد بمنصب نائب رئيّس الاتّحاد الدّولي لألعاب القوى في انتخابات الاتحاد التي جرت بالدوحة في يوم 25 سبتمبر 2019مولمدّة أربع سنوات. واللافت للنّظر ان حملة الأمير الانتخابية لم يصحبها أمران أساسيان مطلوبان لنجاح أي حملة انتخابية: 1- لم تصحب حملة الامير نواف الانتخابية للفوز بهذا المركز العالمي الدعم المفترض من مؤسستنا الرياضية ولجنتنا الاولمبية، في حين أن دولًا في محيطنا وغيره، وبإمكانات لا تصل لحجم إمكانات بلادنا السياسية والاقتصادية حشدت سفاراتها، وعلاقاتها وجاب ممثلوها القارات لكسب أصوات الدول الى جانب مرشحيها. 2- لم تسمح ظروف الأمير بالحضور لجلسة الاقتراع الانتخابية في الدوحة بصفته أحد المرشحين. ومع ذلك كسر الأمير حاجز القاعدة -وهي ظاهرة يبدو أنها غير مسبوقة- وفاز بجدارة بهذا المنصب. فكيف جاء هذا الفوز، وماهي الأرضية التاريخية التي قدم منها الامير للسباق على هذا المنصب..؟ إن الخلفية التاريخية للأمير نواف بن محمد التي مكنته من الفوز بمنصب نائب الرئيس في اتحاد عالمي كبير يأتي ثانيًا بعد الفيفا من حيث الأهمية والامكانيات والانتشار.. لقد احتاج الوصول الى هذا المنصب من الامير لسنوات طويلة من التخطيط والانتظار، فتحقق له ذلك بعد مارثون حافل بالانجازات، وبسيرة مهنيّة يحملها على كتفه تمتد لثلاثين عامًا قضاها في ميادين أم الألعاب في الداخل والخارج، حتى أصبح بفضل التزامه وتحصيله من أكفأ الخبراء العالميين في معظم الرّياضات، وفِي رياضة ألعاب القوى بوجه خاص، ومما عزز مكانته الدولية ثقافته الرياضية العالية واطلاعه الدقيق على تاريخ ألعاب القوى، وخططها وأبطالها، ومنافساتها، وتطور آلياتها، وأدواتها، وانظمتها، وتقنيتها، وتسويقها، ويدعم ذلك شخصيته الجاذبة، وذكاؤه الفطري، وسرعة بديهته، وشجاعته في اتخاذ القرار. إن المتتبع لتاريخ نواف بن محمد يجده بلا منازع هو عراب ألعاب القوى السعودية، والقدوة والمثال لأبطال اللعبة ومنتسبيها، فقد كان خلال ربع قرن قائدًا حقيقيًّا لها، ولم يركن خلال تاريخه للنمطية والاستكانة والتسويف، بل اتصف بجديته الأخاذة، والتزامه اللافت بالحضور الميداني لمواقع التدريبات والمنافسات داعمًا، وموجهًا، ومشجعًا للأبطال، فقطف مع فريقه الاداري والفني ثمار جهدهم، تميزًا وحضورًا لألعاب القوى السعودية خليجيًا، وعربيًا، وقاريًا، ودوليًا. لقد كانت رحلة الأمير خلال ثلاثين عامًا مع أم الألعاب شاقة ومتعبة، بذل فيها الكثير من الجهد والمال، فرغم الصعوبات التّي واجهت هذا العاشق الا أنه كان يسجل في كل محطة يمرّ بها تاريخًا نوعيًّا. وعندما غادر كرسي الاتحاد السعودي لألعاب القوى بقرار مُلْتبس ترك هو وفريقه الذي غادر معه المكان مؤسسة رياضية نموذجية رائدة، قائدة لمختلف الرياضات في بلادنا، وترك وهو يغادر في سلة الاتحاد الذي عشقه حتى العظم (1804) ميداليات ملونة وهي حصيلة جهد شاق تنقل فيه بين القارات خلال الأعوام (1992-2016) ومن أهمها ميدالية البطل الأولمبي هادي صوعان، كما أودع الامير واتحاده خلال الفترة نفسها في سجلات اللّجنة الاولمبية السعودية مايعادل 31% من حصيلتها من الميداليات من اتحاده فقط.. بهذا التاريخ الوضاء وصل الأمير لمنصبه الجديد، فماذا يعني لنا وجود مواطن سعودي في منصب دولي بهذا الحجم..؟ الخاتمة. من البديهيات أن تضع هيئة الرياضة، واللجنة الأولمبية السعودية، والاتحاد السعودي لألعاب القوى خطة لاستثمار وجود الأمير في هذا المنصب لصالح رياضتنا . إن من حق الأمير نواف الترشح لرئاسة الاتحاد بعد أربع سنوات ولاسيما وأنه أصبح على مسافة خطوة من كرسي الرئاسة فهل تضع لجنتنا الأولمبية خطة لذلك من الآن؟.