ثلاثة أيام قضيتُها في»عنيزة» بمنطقة القصيم ملأت بها رئتي من عبق مزارعها العطر وأهلها الطيبين، الذين لا تفارقهم الابتسامة والبشاشة والذوق في رحاب مدينة يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام؛ فجاءت على لسان الشاعر العربي الشهير أمرئ القيس، حين قال: تراءت لنا يوماً بسفح عنيزة وقد حان منها رحلة وقلوص حقاً، لم يحالفني الحظ من قبل أن أزورها رغم أني زرتُ معظم المناطق السعودية؛ لهذا تحمستُ جداً للقاء «عُنيزة» روضة البساتين الهادئة التي لفتت انتباه الكثير من الرحَّالة الأجانب على مرّ التاريخ؛ ففي سنة 1878م وصلها الرحالة الإنجليزي «تشارلز داوتي»وامتدح أهلها وتحضُّرهم؛ ثم زارها عام 1918م الرحَّالة فيلبي بمعية مؤسس البلاد الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه وكتب عنها: «إن ضيافتهم ليست فقط سخية ولكنها أيضاً في منتهى الذوق والترتيب والأناقة، إنها حقاً جوهرة المدن العربية». لكن عنيزة اشتهرت بلقب «باريس نجد» الذي أطلقه عليها الرحالة اللبناني أمين الريحاني حين وصلها بعد فيلبي بسنوات قليلة، وكتب»عنيزة قطب الذوق والأدب وباريس نجد». ولأن التمور أهم ما تنتجه مزارع النخيل في القصيم فإن تمور»عنيزة» تحظى في تسويقها وعرضها بعناية فائقة تتسم بالذوق الرفيع من القائمين على موسم التمور وهم حريصون على تطوير التجربة سنة تلو أخرى، وقد حظيتُ هذا العام بزيارته والتعرف عليه بدعوة كريمة من اللجنة السياحية النسائية الموقرة التابعة لمحافظة عنيزة والمتعاونة مع الغرفة التجارية بها؛ وأول ما أدهشني أن يكون في عنيزة مدينة غذائية، أخذنا مشكوراً في جولة بها الإعلامي أ.خالد الروقي وأطلعنا على جهود القائمين فيها، حيث تبلغ مساحتها مليون متر مربع؛ تحوي ساحة المزاد «الحراج» وتبلغ 75 ألف متر مربع، بل وتم تصميم أرض المدينة بميلان يساعد العربات المحملة بالتمور بأوزان ثقيلة على أن تكون حركتها يسيرة دون جهد على العمال، وحرصوا أيضاً على أن تحوي عربات ذكية يبلغ عددها عشرة آلاف عربة تحمل التمور بما يساعد المشتري على فحصها؛ ووصلت عناية القائمين عليه أنه لا يتم السماح للتمور بالتواجد في المدينة الغذائية إلا بعد فحصها في المختبرات المخصصة والتأكد من أنها «صحية». لقد سعدتُ بزيارة مزارع عنيزة ومنتزهاتها منها «حائط الفلاليح» الذي تعمل عليه المحافظة ليكون منتزهاً عاماً صحياً وواجهة سياحية وسط «عنيزة»، وسعدت بزيارة مركز الأميرة نورة بنت عبد الرحمن الفيصل الخيري الاجتماعي والذي يعتبر بما يحويه من خدمات اجتماعية وحرفية ورياضية وثقافية للمرأة والطفل أشبه بمدينة شاملة تديره السيدة الرائعة ندى النزهة، وكم أتمنى أن نرى مثيله في بقية المدن السعودية؛ وسرني أكثر وأكثر أن تشرفتُ بمعرفة سيدات رائعات أعجز عن شكرهن لبهائهن وكرمهن وعلى رأسهن أ.منيرة الخميري وفريقها المميز من الفضليات أ.فاطمة الحارثي وأ. فوزية السبيل و أ.العنود المطيري كما أني حلقت مع إبداع سيدات «عنيزة» التشكيلية أ.منى الأصقه والبهية أ.هدى التميمي صاحبة متحف «سراي» الذي أقامته بجهد فردي؛ ولا أنسى سعادتي وفخري بتعرفي على شباب وبنات «عنيزة» ممن يستيقظون مبكراً جداً؛ يذهبون إلى أعمالهم بكامل حيويتهم وتفاؤلهم حاملين معهم طموحاً وابتسامة وغداً جميلاً.