إن مما لا يخفى علمه أن الله سبحانه وتعالى قد عظّم حرمة دم الإنسان وماله وعرضه وقد أوجب عقوبة القصاص في ذلك لتكون رادعًا لكل من تسول له نفسه التعدي على أي من تلك الحرمات فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) ومن حرص الإسلام على العفو والتسامح أنه أعطى حرية الاختيار لولي الدم أو صاحب الحق في حال رغب في تخفيف تلك العقوبة فبدلًا من القتل أو إتلاف أحد أعضاء الجاني مقابل ما أتلفه من أعضاء المجني عليه فقد شرع عقوبة بديلة اختيارية وهي «الدية»، وحددها الشرع بما يعادل قيمة مئة من الإبل للرجل الواحد ونصف ذلك للمرأة، إلا أنه ومع مرور الزمن فقد انتشرت بين الناس ظاهرة خطيرة وهي لجوء بعض أصحاب الدم إلى اشتراط مبالغ إضافية تزيد عن قيمة الدية المحددة شرعًا، وقد وصلت بعض تلك المطالبات إلى ملايين الريالات مما حدى بذوي الجاني في بعض الحالات إلى طلب المساعدة من عامة الناس وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ليتمكنوا من جمع تلك المبالغ التعجيزية حتى بات الأمر يستوجب الدراسة ووضع الحلول. وما قدمه أعضاء لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بمجلس الشورى من اقتراحات تهدف لدراسة وتنظيم عمليات «الصلح في القصاص» كانت خطوة مهمة وجريئة لما فيها من مراعاة لمصالح كلا طرفي النزاع في حال طلب أولياء الدم مبالغ مالية تفوق قيمة الدية المقررة سلفًا ولأهمية هذا الأمر قال تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا)، وأيضًا ما روى عن حديث أنس رضي الله عنه قال: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) وسن وتنظيم مثل هذه الأمور سوف يكون مساعدًا في إنهاء كثير من النزاعات بالصلح.