على الرغم من أنهم في وسط المشاعر وفي موقف عظيم وفي أفضل أيام الله في السنة وأعظم وقت في العام إلا أن الله عز وجل يأبى إلا أن يظهر لهم بعضاً من رحماته ويقدم لهم درساً ربانياً ليجعل دموع دعواتهم وعبراتهم تختلط بقطرات الأمطار فتثبِّت قلوبهم وتقوي إيمانهم وتجبر خواطرهم وتؤكد لهم بأن أبواب السماء مفتوحة لدعواتهم. ما أعظمه من مشهد، وما أجلَّه من منظر والأمطار تتساقط بكثافة وصلت 30 ملم في وقت كان الكثير يدعون الله أن يخفف على الحجيج درجة الحرارة المرتفعة في يوم عرفة، وكان البعض يصطحب المظلات اليدوية ليقي نفسه من حرارة الشمس، فإذا بتلك المظلات تستخدم لكي تتجنب سقوط الأمطار، وبعد أن وصلت درجة الحرارة إلى 38 درجة مئوية هاهي تنخفض في دقائق معدودة لتصل إلى 22 درجة مئوية وإذا بالوجوه تتهلل فرحاً بقدوم تلك الأمطار على ذلك المكان لتطفىء حرارة الجو ولهيب الحر وتصبح برداً وسلاماً على ضيوف الرحمن. الجميع تعجب من تلك اللحظات وفوجىء بتلك الرحمات وتأثر من تلك المشاهد التي تهتز لها القلوب وتخفق لها الأفئدة وأولئك الحجاج في ثيابهم البيضاء الطاهرة يقفون على صعيد عرفات رافعين أكفهم للسماء مبتهلين متضرعين باكين وقطرات الأمطار تهطل فوق رؤوسهم بغزارة وكأنها تغسلهم من ذنوبهم وتطيب خواطرهم. معظم من كانوا يتابعون ذلك المشهد المهيب عبر الشاشات الفضائية كانوا يتمنون أن يكونوا في تلك اللحظة في ذلك المكان لتصيبهم تلك الرحمات التي جاءت في أجواء تسودها السكينة والطمأنينة، وبعد أن كان بعض الحجاج يخشى من حرارة الطقس خصوصاً وقت الظهيرة وكان يخلد للراحة والهروب من ارتفاع درجة الحرارة فإذا بالمطر يهطل فيبادر برفع أكف الضراعة والدعاء في وقت لم يكن في حسبان الكثير أن تهطل الأمطار وبتلك الغزارة في ذلك الوقت. هطول الأمطار في ذلك الوقت وفي ذلك المكان والملايين مجتمعة وبتلك الغزارة غير المتوقعة فيه رحمة وبركة وفيه تباشير كما أن فيه تنقية وتلطيفاً للطقس، فما أجمل لحظات نزول المطر لاسيما عند الحاجة، فالمطر نعمة من نعم الله وجند من جنوده، وقد استمرت الأمطار على مكة بعد يوم عرفة رحمة وبركة لحجاج بيت الله الحرام، سائلين المولى أن يتمم للحجاج حجهم بيسر وسلامة وأن يتقبل منهم صالح الأعمال.