كان النسق الذي تسير عليه السياسة البريطانية في عملية اختيار رئيس الوزراء هو أن يكون قد تمرس من وجهة نظرهم في العمل في إحدى الوزارات ذات الاهتمام الداخلي والخارجي، وهي الخارجية والمالية والداخلية، ولكن هذا التقليد قد تعرض للكسر في حقب مختلفة؛ فلقد صعد العمالي توني بلير، رئيسًا للوزراء من دون تجربة سياسية مرتبطة بما ذكرناه آنفًا، واستطاع أن يفوز بثلاثة انتخابات متتالية، مثل ديفيد كاميرون من المحافظين. ومنذ الاستفتاء الذي نُظّم على خلفية بقاء بريطانيا أو خروجها من منظومة الاتحاد الأوروبي، فيما عرف بال»بريكست»، والأحزاب البريطانية تتصارع للوصول إلى داوننغ استريت، وخصوصًا بعد استقالة زعيمة المحافظين، ورئيسة الوزراء تيريزا ماي. وبدأ منذ أيام العد التنازلي لاختيار بديل لها، وجاءت التصفية الأخيرة من الاقتراع داخل حزب المحافظين، وعلى وجه الدقة، بمباركة من لجنة 1922م، وفرسا الرهان هما بوريس جونسون، والذي تنحصر تجربته في مركزين؛ الأول هو قيامه بالعمل كعمدة لمدينة لندن، ثم وزيرًا للخارجية لمدة عامين، استقال بعدها طامحًا إلى مركز منصب رئاسة الوزراء.. ويجاريه في السباق جيرمي هنت، الذي شغل منصب وزير الخارجية بعد استقالة جونسون منها، وتنحصر تجربة هنت في قيامه بالعمل كوزير للزراعة. واستطاع جونسون أن يكسب أصوات اليمين المتشدّد في البرلمان، والذي يدعو لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولو من دون اتفاق، بينما انحاز هنت إلى خيار البقاء داخل إطار الاتحاد الأوروبي. ولقد باركت الولاياتالمتحدةالأمريكية - الشريك الأقوى للمملكة المتحدة البريطانية – وصول جونسون لزعامة حزب المحافظين، ثم لرئاسة الوزراء، ولا يخفى أن المباركة التي جاءت على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بكل وضوح وصراحة، هو ما وجده ترامب في شخصية جونسون من ميول يمينية متشددة ومقترنة بما يعرف في أدبيات السياسة الغربية ب»النهج الشعبوي». ويبدو أن الطريق إلى رئاسة الوزراء فيه شيء من الصعوبة، وذلك لانقسام حزب المحافظين على نفسه، مما حدا بالسيدة تيريزا ماي لترك كرسي الرئاسة بعد سنتين من النقاش والجدل مع الاتحاد الأوروبي، وسوف يجد جونسون أو هنت الصعوبة ذاتها، بالنظر إلى ما ظل الاتحاد الأوروبي يردده دومًا في سياق تحذيري ل»لندن»، بأن موضوع البريكست غير قابل للتفاوض أو النقاش مرة أخرى تحت أي ظرف من الظروف، وبإزاء هذا الموقف الراديكالي من الاتحاد الأوروبي، فلربما اضطر أحدهما – أي جونسون أو هنت - إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة يكون موضوع بريكست موضوعًا رئيسًا فيها، وهذا ما يدعو إليه حزب العمّال.. والذي يُخشى في حال فشل جونسون أو هنت في معالجة الموضوع ذاته، أن تكون الانتخابات القادمة في صالح حزب العمال بزعامة جيرمي كوربن، المتشدد يساريًا، ولكنه يعبّر عن رغبته في عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي بتعديلات جديدة في صيغة الاتفاق المنظور. وعلى أي صورة أفضت الانتخابات القادمة في الساحة البريطانية فالراجح أنها ستواجه تحديات كبيرة، قد تقود إلى تغيرات واضحة في المشهد السياسي، وتقلب الموازين بصورة ربما تخلخل البنية السياسية المتوارثة لصالح واقع جديد، وبمعطيات مختلفة.