من المفارقة أن يولد على أصوات ما يعشقه في المستقبل، وهذه قصة الإعلامي، والصحافي، والناشر هشام علي حافظ، الذي اتصل بالعمل الصحفي والإعلامي منذ طفولته، وصباه. عاش بين صوت المطابع، وحبر الأوراق، حيث كانت البدايات الأولى للمطبعة في المدينةالمنورة، وظهور صحيفة «المدينة» سنة 1356ه، وهو العام القريب من ولادة هشام، ورث مهنة المتاعب من والده علي وشقيقه عثمان اللذين أسسا صحيفة «المدينة»، ثم استلم مع شقيقه محمد المسؤولية، وكانا لا يتفارقان أبدًا، اشتركا في الإدارة والصلاحيات، وكتابة المقالة الصحفية في افتتاحية الصحيفة التي حملت عنوان (صباح الخير)؛ ربما جاء الاختلاف في الدراسة الجامعية، حيث ذهب محمد للصحافة، وتعلق هشام بالسياسة، هذا الاختلاف في الشهادة العلمية؛ زادت تلك الصلة بينها، وشكلت شخصية واحدة تحمل المهارة الإعلامية والوعي السياسي. اتسم هشام حافظ بالشجاعة في الرأي، ودعوته نحو الحرية في التفكير، والتعبير الشخصي للآخرين، وأسلوب غير مألوف في الإدارة، واستطاع مع شقيقه تدويل الصحافة المحلية، وظفرا بالريادة للإعلام العربي الدولي، مما جعل القارئ العربي يجد مجموعة إعلامية متكاملة، تنوعت فيها المطبوعات بين اليومية، والأسبوعية، وكما نشرت باللغات، وفي هذا الاتجاه نالت السبق الإعلامي. يقول هشام علي حافظ في حوار سابق معه: إن فكرة شركة المجموعة قائمة على التنوع في الاستثمار الإعلامي : كالنشر، والإعلان، والطباعة، والتوزيع؛ حتى لا نستعين بشركات من خارج المجموعة. واضح الرؤية والأهداف والعائلة تجتمع حوله د. عمر زهير حافظ العم السيد هشام علي حافظ رحمه الله كان في آل حافظ شخصية متميزة، لها حضور رائع تجتمع حوله العائلة بحب وتقدير كبيرين، وهو خارج العائلة رجل متميز ورائد من رجال الأعمال السعوديين ذوي التأثير والإبداع في عمله الإعلامي والتجاري، وضرب -رحمه الله- مثلًا رائعًا في الأخوة مع أخيه السيد محمد علي حافظ -حفظه الله- وأطال في عمره، مقتديًا بالوالدين الكريمين السيدين علي وعثمان حافظ -رحمهما الله تعالى- وهما مدرسة في الأخلاق والفكر والعلم والعمل، تركا بصمات ذات شأن كبير في حياة وثقافة وإعلام المجتمع السعودي المعاصر رحمهما الله تعالى. ورغم أن والدي الكريم السيد زهير عبدالقادر حافظ -حفظه الله- وأطال في عمره هو عم السيد هشام، فإن السيد هشام يكبره في السن فهو بمنزلة الوالد. وأود أن أشير إلى جانب علاقتي الخاصة بالوالد والعم السيد هشام -رحمه الله تعالى- فقد قاد باقتدار وحرص تأسيس البنك العربي الإسلامي في البحرين، وترأس مجلس إدارته في التسعينيات من القرن الماضي، وطلب مني أن أتفرغ للعمل، فاستقلت من الجامعة، وتفرغت للعمل، ووجدت فيه رحمه الله قيادة تأسر العاملين معه بأخلاقه وحرصه وتوجيهه وثقته فيمن يعمل معه، وفتحه لمجال الإبداع الإداري. والحق يقال إنه كان -رحمه الله- قيادة متميزة واضحة الرؤية والأهداف. وهذا غيض من فيض أياديه البيضاء على الكثير من داخل العائلة وخارجها. مولده ولد هشام بالمدينةالمنورة المكان الذي أنشأ فيه أبوه علي حافظ وعمه عثمان حافظ جريدة المدينة سنة 1937. كان هشام وأخوه محمد يشتغلون في صحيفة والدهم خلال أوقات الإجازاة. درس علوم الاقتصاد والسياسة في جامعة القاهرة، وفي الوقت نفسه كان يتولى دراسة العلوم العسكرية في الأكاديمية المصرية، مكملًا دراسته فيها سنة 1955. بعد خدمته برتبة ملازم أول في الجيش السعودي، أصبح ظابطًا في وزارة الشؤون الخارجية السعودية. أصبح المحرر المسؤول لجريدة المدينة سنة 1961 قبل أن يقوم الملك فيصل بجعل الصحيفة ملكًا للحكومة بدون دفع تعويضات سنة 1963. وقد تم منع هشام حافظ من العمل كصحفي بعد سنتين، فقام بعد ذلك بالرجوع والعمل مع وزارة الخارجية. المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق أسس المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق سنة 1971 مع شقيقه محمد حافظ، بعد أن رأوا الإمكانيات في الاقتصاد السعودي الذي يجذب المغتربين من جميع الدول. أول إصدار لهم كان صحيفة عرب نيوز، أول صحيفة يومية ناطقة باللغة الإنجليزية في السعودية مع أول إصدار تم نشره سنة 1975. نجاح لصحيفة عرب نيوز قاد بدوره إلى إنشاء ونجاح جريدة العرب الدولية جريدة الشرق الأوسط سنة 1978. وكانت تنشر هذه الجريدتان على المستويين المحلي والدولي، وجريدة عرب نيوز تنشر حاليًّا على الإنترنت. نجاح هذه الجرائد قاد المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق لتطوير العديد من الصحف الشيء، الذي كان يقدم التسلية لكثير من العاملين المغتربين، خصوصًا من باكستان والهند وأمريكا، إضافةً إلى المواطنين السعوديين. مؤلفاته في 1991م قام هشام بنشر أول قصائده القيّمة كلمات بإيقاع أربع قيم، وبذلك الاسم قد نشره خلال التسعينيات. كتب العديد من الكتب التي تتناول القضايا الدينية، بينما في سنة 2002، كتب كيف الدول تخسر الحصانة مقابل الاستبداد مع الشيخ جودت سعيد والدكتور خالص جالبي. وفاته توفي في 28 محرم 1427 ه / 26 فبراير 2006 عن عمر يناهز 74 سنة. هشام حافظ قائد بالفطرة محمد المختار الفال سيظل الناشران هشام ومحمد علي حافظ رائدين في مسيرة الصحافة السعودية، بإنجازاتهما غير المسبوقة، وبما أحدثاه من نقلة نوعية في صناعة النشر، وربطها باقتصاديات السوق؛ لتلبية رغبات الشرائح المختلفة. شكلّا «نموذجًا» جميلًا نادر التكرار لمفهوم التكامل والانسجام في شراكة الأخوة، التي تمتزج فيها شؤون الحياة إلى الدرجة التي يصعب فيها التفريق ما بين الشخصيتين. وإذا كان محمد علي حافظ «صحفيًّا» بالفطرة والدراسة فإن هشام علي حافظ كان «قائدًا» بالفطرة والممارسة، شجاعًا جسورًا مقدامًا، محفزًا للعاملين معه، غير متردد في التخلص ممن لا يواكب التطلعات ولا ينسجم مع سير القافلة. كان مكتبهما المشترك «مركز قيادة»، فيه تتم الاجتماعات، بانضباط وفاعلية، تصدر التعليمات وتسند الواجبات إلى قيادات المطبوعات ليباشروا مهامهم، بثقة ودعم، كان هشام -رحمة الله عليه- صاحب رؤية وإرادة، إذا اقتنع بفكرة، فلا شيء يثنيه عن العمل على تحقيقها. ولم تقف به شجاعته وإقدامه عند ابتكاراته في صناعة النشر، فقد قاده طبعه، العاشق للحرية والمقدر للعقل، إلى الخوض في قضايا فكرية ودينية غير مألوفة؛ بحثًا عن الحق، ونشدانا لإثبات توافق مقاصد الشرع مع مقتضيات العقل، وإن وصل به هذا المنهج -أحيانًا- إلى ما لا يوافق رأي الكثيرين. رحم الله أبا قسورة فقد كان «إنسانًا» بكل ما في هذا المخلوق من طباع، وإن غلبت على روحه شفافية تغذيها محبة المصطفى، صلى الله عليه وسلم. المدينة تنفي وتعتذر.. دروس في أصول المهنة! شريف قنديل على الدرج ينزل السيد هشام على حافظ في رمضان ممسكا برغيف كبير يأتيه من المدينةالمنورة معظم أيام شهر رمضان.. يهش في وجه موظف الاستقبال، ويخرج متجها نحو السيارة اللكزس البيضاء النادرة! والحق أنني تعمدت الوقوف في طريقه، وقد بانت ملامح الارتباك على وجهي، قبل أن يقتطع جزءا من الرغيف الكبير - أظنه الربع- ويدلف الي المقعد الخلفي في السيارة، قائلا: إنه بركة المدينة! في اليوم التالي، وقبل نزوله، كنت أطلب من سكرتيره الأنيق «حسن زغلول» الاستئذان في الدخول للأهمية، وكان الرد الطبيعي: دعني أخبره أولا، وأتصل بك.. ولم يتصل! لاحقته بعيد صلاة العصر، فوجدت جمعا من الزملاء الصحفيين والاداريين يتحلقون حوله، فتوجهت لأصنع ما يشبه الكمين أمام مكتبه «مكتب الناشرين»! قال وهو يعرف يقينا مالذي أتيت من أجله: ماذا تريد يا شريف! اعتذروا للرجل أولا، ثم نتكلم! كنا قد نشرنا في «الاقتصادية» الجريدة المحببة لنفس الناشرين في تلك المرحلة الزاهرة التي قادها باقتدار الزميل الأستاذ محمد التونسي، متفوقا على نفسه، وعلى كل من جيئ به لتحويلها من الاقتصاد القح الي آفاق سياسية ورياضية وفنية أرحب، خبرا عن رجل أعمال قلنا إنه استولى على أراضي الدولة! فلما كان الرجل صديق للناشرين، ولما كانت قطعة الأرض التي يقف عليها شامخا مبنى الشركة السعودية للأبحاث والنشر في حي الفيصلية مهداة أو مشتراة منه، فقد غضب الرجل وغضب صديقه الناشر هشام علي حافظ، طالبا الاعتذار «بنفس البنط وفي نفس المساحة»! كانت الأعداد الأولى ل «الاقتصادية» المطورة بقيادة المايسترو التونسي تنفذ في الأسواق، وكان الفرح بالنجاح يسطع كل يوم وليلة في صالة التحرير التي سكنها التونسي وعشنا معه فيها أكثر من بيوتنا، قبل أن يأتي التوجيه المباشر: اعتذروا للرجل «بنفس البنط وفي نفس المكان»! في تلك الأثناء وجهني الأستاذ التونسي فيما يشبه التكليف المباشر، بانتزاع موافقة الناشر على علاج الموضوع بالصورة اللائقة، ولكن ليس في نفس المكان، الذي كان هو «المانشيت»! أتذكر جيدا أنني قلت: سأتوجه للسيد محمد حافظ! قال: لا! بل السيد هشام! كانت الأول بمثابة العقل، وكان الآخر بمثابة القلب! ومن ثم فهو أوسع صدرا، وأكثر تسامحا وصفحا! هكذا كنا نحسبها! قال السيد هشام مندهشا من استغراقي في الرجاء! هذه لا تسيء مطلقا لكم! هذه ترفع من درجة إحترامكم عند القراء، وتدعم نجاحكم! لقد فعلتها قبلكم وأنا رئيس تحرير في صحيفة «المدينة»! قلت: كيف! قال رحمه الله: نشرت ذات يوم خبرا غير دقيق عن صفقة سكر، ثبت لي أنه غير صحيح! وفي صباح اليوم التالي وفي نفس المكان وبالبنط العريض كتبنا: «المدينة» تنفي وتعتذر! قلت: لكن خبرنا صحيح والمشكلة في الصياغة! وقد اعددنا صيغة إعتذار نراها جيدة، تحقق الأمرين معا! ترضي الرجل، ولا تسيء للجريدة! قال: إذهب به الي الرجل، فان اقتنع! لا مانع! وخرجت على الفور! قلت للرجل الغاضب من «الاقتصادية».. جئت إليك موفدا من صديقك المحب هشام على حافظ! قال: و أنا أحب السيدين «هشام» و «محمد» وأحب «الاقتصادية» وتعجبني جرأة وجسارة رئيس تحريرها محمد التونسي.. قلت: أعددنا صيغة للتصحيح والاعتذار، قال: افعلوا ما شئتم، لا يهمني مكان الخبر، بقدر ما يهمني أن تعرفوا الحقيقة! خرجت منتشيا بالنصر، وفي صالة التحرير، وفور أن رآني الأستاذ التونسي، وقبل أن أشرح قال وهو يمضي جزلا صوب مكتبه: هيا أعد مواد الأولى وادع للاجتماع، فغدا ضربة جديدة! هشام حافظ كان قناصًا ولماحًا في الإعلام عبدالله القبيع أستاذنا الغائب الحاضر في قلوبنا هشام حافظ لم يكن ناشرًا فقط في مهنة المتاعب، ولكنه كان قناصًا جيدًا ولماحًا ومجددًا لكل ما يتصل بالإعلام الورقي. كان الله يرحمه قارئًا جيدًا لمستقبل الصحافة، وهو الذي اختارني مع الأستاذ عثمان العمير لتولي مسؤولية أو مجلة فضائية تي ڤي تُعْنَى بشؤون القنوات الفضائية والبرامج، وكان معنا يتناوب في كتابة مقال تحت توقيع د.ريموت بن كنترول، وكان يشارك أسبوعيًّا باقتراحات، سواء في تي ڤي أو بقية المجلات التابعة للمجموعة. السد هشام كان حساسًا جدًّا فيما يتعلق بحياة النجوم الذين نتناولهم في تحقيقاتنا، وأذكر مرةً أنه كان مقال عن المذيع معتز الدمرداش لم نُوَفّق فيه، ونلت عتاب المحب بعد اعتذاري وأسفي لي نشره السيد هشام حافظ -يرحمه الله- كان اجتماعيًّا رائعًا في علاقاته بالعاملين معه، والذي يحالفه الحظ ينضم لنادي «البقر»، هذا النادي الجميل الذي كان يحضره بعض الوزراء ووجهاء وأعيان جدة. من مواقفي معه استدعائي والتحقيق معي شخصيًّا؛ لرفضي ذلك الوقت تعيين بعض النسوة في المجلة، وعندما عرف أن الأسباب مهمة لها علاقة «بكيدهن»، وقف معي وأشاد بالخطوة؛ حرصًا على مصالح الشركة في لندن. كان المرحوم وشقيقه السيد محمد حافظ شعلةً من النشاط، نستمدّ منها النجاح، ويظلّ أجمل حوار معه نفّذه الأستاذ عبدالرحمن الراشد في مجلة الرجل، تعرفنا فيه على الوجه الآخر للسيد هشام؛ الوجه الذي أتعبه حبر المطابع، ورائحة الورق.