باعا محليهما ومصاغ الأسرة وبمساعدة من والدهما، تمكن عثمان من الذهاب إلى مصر لشراء مطبعة كانت فاتحة خير على الصحافة والإعلام في منطقة المدينةالمنورة والمملكة على وجه العموم، وبرغم صعوبات البداية، إلاّ أنهما وبمساعدة المخلصين من الأصدقاء أسسا صرحاً صحفياً ضخماً، ومن منبر "المدينة"، عملا على الدعوة إلى إنجازات عظيمة منها أول توسعة بالمسجد النبوي، إضافةً إلى إنشاء عدد من الجامعات، إنهما عثمان وعلي ابنا عبدالقادر حافظ، اللذان ولدا بالمدينةالمنورة في العامين 1328ه و1327ه، وتلقيا تعليمهما الأولي بكتاتيبها، وفي حلقات الدرس بالمسجد النبوي، وفي حين استكمل عثمان دراسته، وحصل على شهادة التدريس من أستاذه الشيخ عبدالقادر توفيق شلبي، والتحق بالمدرسة الهاشمية الراقية، واصل أخوه علي تعليمه بالمسجد النبوي وحصل على إجازة التدريس من مشايخه، وهم الشيخ محمد الطيب الأنصاري، والشيخ إبراهيم بري، والشيخ عبدالقادر شلبي، والشريف محمد العربي، والسيد أحمد صقر، فمن الكتاتيب وحلقات التعليم كانت البدايات وبتوجيه والديهما ومتابعتهما - بعد توفيق الله - بزغ نجم "الأخوين" في الأدب وعالم الصحافة والنشر في بلادنا. حياة مهنية سيرة الأخوين كانت حافلة بالجد والمثابرة ومثّلت حقبة تاريخية مهمة في الإعلام والمطبوعات بدأ عثمان حياته العملية كاتباً بمديرية المعارف بالمدينة العام 1345ه، ثم عضواً وسكرتيراً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينةالمنورة حتى العام 1349ه، وعمل مدرساً بالمدرسة الابتدائية بالمدينةالمنورة العام 1350ه، كما عمل معتمداً للمعارف بالمدينة العام 1362ه، ثم عيِّن عضواً بالمجلس البلدي، إلى أن انتقل إلى وزارة المالية، فعمل مفتشاً للشمال، وفي 1365ه عمل مديراً لإدارة الحج بالمدينةالمنورة، وبقي في هذا العمل عشرين عاماً، وبدأ أخوه علي حياته العملية كاتباً بالمحكمة الشرعية العام 1344ه حيث تولى رئاسة كتاب المحكمة، وفي العام 1368ه انتقل إلى فرع مديرية الزراعة بالمدينة وعمل مديراً له، وفي العام 1381ه عيِّن رئيساً لبلدية المدينةالمنورة إلى العام 1385ه حيث طلب الإِحالة على التقاعد للتفرغ لأعماله الخاصة، وكان له ديوان شعر عنوانه "نفحات من طيبة" دلل على تعلقه وشغفه بالأدب منذ صغره. جريدة المدينة يُعد عثمان حافظ من مؤسسي الصحافة ومن طلائع النهضة التعليمية والأدبية في الحجاز هو وأخوه علي، وأصدرا جريدة المدينةالمنورة، واشتركا في إدارتها وتحريرها قرابة ثلاثين عاماً، حتى انتقل امتيازها إلى مؤسسة المدينة للصحافة، وصدر أول عدد منها في يوم الخميس 26 /1 / 1356ه، وكانت تصدر في البداية مرة كل أسبوع، وكان أول رئيس تحرير لها أمين مدني، وتطورت الجريدة وصارت تصدر مرتين في الأسبوع، وفي الرابع من شهر صفر1383ه تولى هشام حافظ رئاسة التحرير بينما تولى محمد علي حافظ منصب مدير التحرير، وخالد حافظ مسؤولية الإدارة، وانتقلت الجريدة إلى مدينة جدة لتصدر بشكل يومي، مع إجازة أسبوعية ليوم واحد، وصدر أول عدد منها في جدة في 27 رجب العام 1383ه، ومرت الصحيفة بعدة مراحل، تطورت من خلالها تطوراً كبيراً؛ فقد اتسع انتشارها وزادت مصادرها داخل المملكة وخارجها، وصارت تشترك في وكالات الأنباء الإقليمية والعالمية، ويُذكر أن "المدينة" أول صحيفة سعودية تنشر الصور الفوتوغرافية، وأول صحيفة يتم تجهيز أقسام التحرير فيها بأجهزة خاصة بالصور المرسلة بالهاتف من المناطق المختلفة. وأسس عثمان وأخوه علي شركة المدينة للطباعة والنشر بجدة العام 1383ه، وفي العام 1386ه انتخب عثمان حافظ رئيساً لتحرير "المدينة"، وبقي في رئاستها لمدة (11) عاماً، وأسس مع أخيه علي مدرسة الصحراء بالمسيجيد العام 1365ه، وهي - بحسب رأي البعض - أول مدرسة نظامية تفتتح في بادية الحجاز، فقد أحب عثمان حافظ الصحافة وخاض في مجالها إيماناً منه بكونها وسيلة للتنوير والتطوير، ويقول المؤرخ أحمد مرشد: إن عثمان حافظ كان صحافياً من الطراز الأول، ويتمتع بحس صحفي عالٍ، وعمل في الصحافة بوطنية وتفان وإخلاص للدين ثم للوطن والدعوة إلى الخير والحق والإصلاح. مساهمات أخرى وصف عضو مجلس الشورى السابق المهندس يوسف الميمني عثمان حافظ بأن له مساهمات متعددة أخرى في مجال الصحافة، كما كان عثمان وأخوه يشجعان الطلاب على الالتحاق بمدرسة الصحراء بالمسيجيد، والاستمرار فيها، حتى كبرت وضاقت بطلابها، فأمر الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بدعمها، ثم تسلمتها الدولة سنة 1381ه بعد (16) عاماً من إشراف آل حافظ عليها، وقد خرّجت جيلاً من الكفاءات والمسؤولين، وكان علي وعثمان حافظ شقيقين في أعمالهما ونشاطهما وسائر دروب حياتهما، كما هما شقيقان من أم وأب، بل لا يُذكر أحدهما إلاّ ويقترن بالآخر، لكن علي وهو الأكبر كان ميالاً إلى الأدب والشعر وقراءة التاريخ، أما عثمان فكان أكثر اهتماماً بالصحافة والإعلام، وكان له دور كبير في توثيق تاريخها الذي سبق تكوين المؤسسات الصحفية، ويضيف المهندس الميمني أن عثمان حافظ كان يمتلك مطبعة صغيرة لطباعة الكروت والأوراق التجارية، وقد قام بجلب مطبعة المدينة من مصر بمفرده، وحصل على امتياز جريدة المدينةالمنورة باسمه، لكنه وأخيه اشتركا في بقية مشوارهما الصحفي والثقافي والاجتماعي معاً، وربما كانت اهتماماتهما مكملة لبعضها البعض بل يُذكر أنهما كانا يستخدمان مكتباً واحداً وخزنة نقود واحدة، وسكنا في البداية في منزل واحد، ولهما صداقات مشتركة ورغبات متقاربة، ولم يكن هذا إلاّ نموذجاً فريداً تميز به أبناء حافظ وربما كان أحد أسباب نجاحاتهم المطردة. مؤلفات عديدة وقدم الأخوان عثمان وعلي حافظ مؤلفات عديدة، فلعثمان عددٌ من المؤلفات منها: "تطور الصحافة في المملكة العربية السعودية" في جزئين صدرا بجدة في العامين 1392ه و1396ه، و"صور وذكريات" نادي المدينةالمنورة الأدبي العام 1404ه، "صور وأفكار" العام 1404ه، "في بعث الأمة المصرية" العام 1404ه، كما أن له عددًا من المؤلفات تتضمّن مقالاته المنشورة في الصحف السعودية، وفي حين تمحورت مؤلفات عثمان حول تاريخ الإعلام لاسيما الصحافة كان لشقيقه علي عدد من المؤلفات التاريخية والأدبية، من أهمها: "فصول من تاريخ المدينة"، "حقوق الإنسان في الإسلام"، "الإسلام في شعر شوقي" العام 1419ه، "سوق عكاظ" العام 1396ه، "نفحات من طيبة"، "مجموعة شعرية" العام 1404ه، ديوان "أولادنا"، وقد اختير علي حافظ عضواً في مؤتمر الأدباء السعوديين المنعقد بجامعة الملك عبدالعزيز العام 1394ه، والمنتدى الصحفي العالمي في طوكيو العام 1398ه، ومؤتمر الإعلام الإسلامي المنعقد في جاكرتا العام 1400ه، كما اختير عضواً في الوفود التي مثلت مدن الحجاز في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وعمل كثيراً في الهيئات واللجان الإدارية والثقافية والقضائية، وزار بدعوة رسمية كلاً من باكستان والعراق والهند، وقام برحلات إلى معظم البلاد العربية والأوروبية والأميركية والإفريقية والشرق الأقصى، ولا شك أن هذه الرحلات ساهمت بدعم خبراته وتوسعة مداركه ورؤيته، لاسيما وقد عرف - رحمه الله - بحرصه على الاطلاع واكتساب المعارف الجديدة، ويُذكر أن صحيفته توقفت في العام 1360ه، عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية بسبب الأزمة العالمية المتمثلة بندرة الورق، ومع الأشهر الأخيرة لنهاية الحرب سنة 1364ه عادت الجريدة للظهور مرة أخرى. ولم يقتصر دور آل حافظ على أعمال وأسبقيات الأخوين عثمان وعلي، فقد كان هشام بن علي حافظ مؤسساً لعدد من الإصدارات الصحفية الكبرى في المنطقة العربية، وربما العالمية، وقد نجح عثمان مع أخيه محمد في جعل الصحافة العربية، تنافس وتواكب وربما تتجاوز العديد من الإصدارات العريقة في دول سبقتنا في تجاربها الصحفية. علي شاعراً كان لعلي حافظ قصائد شعرية وإنتاج أدبي فريد، تناثر بعضها في صفحات الجرائد، وجمع البعض الآخر منها في دواوين مطبوعة كديوان "أشواق المدينةالمنورة" سنة 1387ه، والذي ابتدأه في قصيدته التي عبر بها عن شوقه وحنينه لطيبة الطيبة وهو يقول في مطلعها: سقاك اللَّه يا تلك المغاني بطيبتنا فما أحلى رباها وباكرك النسيم بكل عطر يفوح شذى وينبع من رواهَا فيا طيب المدينة كل شبر يضيء بها ويرفل في سباها ويا طيب المدينة كل نفس تود لو أنها نالت رضاها ويا طيب المدينة كل قلب يحن لها ويخفق في لقاها قصة المطبعة وكعادتها في توثيق السير وتكريم الرواد وأسبقيتها وريادتها في حفظ التجارب المميزة في مسيرة مجتمعنا وتاريخ بلادنا استطاعت اثنينية عبدالمقصود خوجة أن تظفر بالقصة الكاملة للبدايات الصعبة والجهود المضنية التي قام بها آل حافظ ممثلة بالأخوين عثمان وعلي، حيث روى عثمان قصته وأخيه مع تأسيس وإنشاء جريدة المدينة وهي على مرحلتين، الأولى من النشأة إلى التأسيس والمطبعة، والثانية من تأسيس الجريدة وما بعدها، ورأى أن الفترة الثانية هي فترة العمل والكفاح والمعاناة، أمّا الفترة الأولى فكانت الهواية للطباعة وكلها مغامرات وارتجال، وكانت نسبة النجاح فيها لا تزيد على (10 %) عندما بدأ هواية الطباعة على المطبعة الصغيرة التي اشتراها من السيد أحمد الفيض أبادي مدير مدرسة العلوم الشرعية، والأستاذ الشيخ عبدالحق النقشبندي، بعد أن استخدماها لمطبوعات المدرسة، وأنه عاش معها في خيال ووهم حوالي ثماني سنوات، كان يظن أن هذه المطبعة يمكنها إصدار جريدة إذا زودت بالحروف والأدوات اللازمة، إلى أن تأكد له استحالة ذلك بعد وصول الشيخ كامل ماجد كردي - رحمه الله - للمدينة بغرض تأسيس مطبعة، حيث أفاده عن نوعية المطابع التي يمكنها طبع الجرائد، ولما ييئس عثمان من إصدار الجريدة على تلك المطبعة، طلب من الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - إعفاء المطبعة الكبيرة التي رغب في استيرادها من الرسوم الجمركية، وأخذت المعاملة دورتها، ثم عادت بالرفض، لمعارضة بعض دوائر الاختصاص، إلاّ أن ذلك لم يؤثر في عزيمته وأخيه، بل عاودا طلب إعفاء المطبعة من الرسوم الجمركية مرة ثانية من الملك عبدالعزيز بعد حوالي شهرين، معللين طلبهما بإمكان إصدار جريدة بالمدينة لتخدم الدولة والشعب في شتى الشؤون، فصدر الأمر الكريم بإعفاء المطبعة من الرسوم الجمركية، ومنها كانت نقطة الانطلاق لتأسيس الجريدة، إلاّ أنهما واجها عدة مصاعب ومثبطات، وقد استطاعا بدعم من والديهما أن يتجاوزا كل هذه المصاعب، وحين تهيأت الأمور وتم تأمين المبالغ اللازمة عزم عثمان على الذهاب إلى القاهرة في 15 صفر العام 1354ه، بعد أن وضعت له والدته - رحمها الله - ما جمعه هو وأخوه من بيع المتجرين في حزام من الجلد وبقي عثمان ثلاثة أشهر في مصر، عاد بعدها ومعه (18) طرداً بين كبير وصغير، هي محتويات المطبعة وحروفها ولوازمها، وقد حصل على توصية من الشيخ محمد سرور الصبان لطلعت حرب باشا، وعندما قابله طلعت حرب، قدم له خطاب الشيخ محمد سرور وشرح له شيئاً من مهمته، فاتصل بخاطر بك المدير العام لشركة مصر للطباعة، وأبلغه بالاهتمام به وطلب منه العودة، ليخبره بما حدث، وبالفعل قام خاطر بك بتعريفه على جميع أقسام المطابع، والحروف، والتوضيب، والتجليد، وكان عثمان أثناء تجوله للبحث عن المطبعة نسي الحزام الذي يحوي الأموال التي جلبها معه في دولاب الفندق، ولما عاد لم يجده، إلاّ أن صاحبة الفندق أعطته إياه ونصحته بألا يتركه مرة أخرى، إضافةً إلى ذلك سقط الصندوق الكبير الذي به أهم أدوات المطبعة في البحر، ولولا عون الله سبحانه وتعالى، ثم مساعدة الأمير حمود بن إبراهيم أمير ينبع وأهل ينبع الكرام وتعاونهم معه على إخراجه لما كانت المطبعة والجريدة موجودة الآن. حدث تاريخي ويضيف عثمان في حديثه لاثنينية عبدالمقصود خوجة أنه بعد معاناة طويلة وصلت المطبعة كاملة إلى المدينة، ثم واجه الأخوان مشكلة تشغيلها، فاتفق عثمان مع الأسطى محمد الذي رافق المطبعة، على تشغيلها وتعليمه الطريقة، وبدأ العمل من اليوم الثاني، كما استعان عثمان بشريف العيتاني مهندس مكائن كهرباء المسجد النبوي، وهو المهندس الوحيد الميكانيكي بالمدينة، كما ذهب إلى مطابع أم القرى حتى تعرف على أسرار هذه الماكينة، وتمت طباعة أولى الأوراق على المطبعة، فكان ذلك حدثاً تاريخياً للأخوين عثمان وعلي حافظ، وللصحافة والطباعة في المدينةالمنورة، والمملكة. وروى علي حافظ ما يخصه من قصة تأسيس جريدة المدينة والمطبعة، بعد أن وجد عند شباب المدينةالمنورة وأدبائها فكرة إصدار جريدة تحمل راية الأدب والتوجيه، وتخدم الإِسلام، وتمت الموافقة الملكية بمساعدة عدد من مستشاري الملك وأنهما - كما ذكر أخوه عثمان-، باعا دكاناً ومكتبة وبمساعدة الوالد، تمكن عثمان من إحضار المطبعة، وصدرت الجريدة في يوم 26 محرم سنة 1356ه الموافق 8 أبريل العام 1937م. وفاتهما توفي علي بن عبدالقادر حافظ في يوم 7 رجب 1407ه عن عمر يناهز 80 عاماً، بعد أن أنجب أولاداً، هم شرف وهشام ومحمد وعبدالفتاح وإبراهيم وسعود ومحمد الذي نال دبلوم الصحافة من مصر، فيما تخرج هشام وعبدالفتاح وإبراهيم من كلية التجارة قسم الاقتصاد، وابتعث أصغر أولاده سعود لأميركا لنيل الماجستير، أما أخوه عثمان فتوفي بعده في 16 رمضان 1413ه، الموافق للعام 1993م، ولا شك أن سيرة الأخوين - رحمهما الله - ظلت شاهدةً على تجربة ثرية وحافلة بالجد والتعب والمثابرة، كما أنها مثّلت حقبة تاريخيةً مهمة في تاريخ الإعلام والمطبوعات في المملكة العربية السعودية. علي وعثمان حافظ أسسا مدرسة الصحراء بالمسيجيد علي حافظ عثمان حافظ كتاب «تطور الصحافة في المملكة» من تأليف عثمان حافظ كتاب «فصول من تاريخ المدينة» من تأليف علي حافظ إعداد - منصور العساف Your browser does not support the video tag.